• 7 تشرين أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : وليد سالم

 

حالة من القلق تسود لدى الفلسطينيين ، وهي حالة مترتبة عن أمرين: الاول : اضطراد وتسارع حالة الضم وإجراءاتها والخوف المتزايد من الضم الرسمي إلى اسرائيل ومن الطرد إلى خارج البلاد،  والثاني: القلق من الردود الفلسطينية الباهتة على ما يجري. ومتابعة مقالات هاني المصري، رامي مهداوي، خليل العسلي وسواهم من الصحفيين ،هي شواهد تعبيرية عن هذا القلق. 

يقابل ذلك قلق آخر عبر عنه السيد بنيامين نتنياهو اثناء عشاء ضمن حفل ديني سنوي تم في بيته في تشرين أول/ اكتوبر ٢٠١٧، بأنه يخشى على اسرائيل مصير مملكة الحشمونائيم القديمة التي دامت لمدة ٧٧ عاما قبل أن تزال على يد الرومان.

ما هو المشترك بين هذين القلقين؟. وأين يختلفان؟.  

قلق نتنياهو خارجي أساسا، وهو يتعلق اليوم بالتهديدات القادمة من إيران وحزب الله وحماس، أما الضفة الغربية والقدس فهو لم يعد يعتقد أنهما تمثلان أي تهديد بالنسبة له ولدولته ، وكما انتهت مملكة الحشمونائيم على أيدي الإمبراطورية الرومانية، فإن نتنياهو يخاف أن تنتهي اسرائيل على أيدي قوة خارجية.  

أما القلق الفلسطيني فهو ليس من قرارات الضم وتوسيع الاستيطان فحسب ولكنه يتعدى ذلك للقلق من نسبة الزيادة السكانية في المستعمرات التي وصلت إلى ٣،٩بالمئة، يقابلها نمو سكاني فلسطيني بنسبة ٢،٥بالمئة، وحيث تكونت غالبية سكانية استيطانية استعمارية في كل من القدس والمنطقة ج التي تمثل ثلثي الضفة الفلسطينية.  

تأتي الزيادة السكانية في المستعمرات من النمو الطبيعي مضافا اليه القادمين الجدد اليها، ولكن الأمر الجديد هنا يتمثل في أن هذه الزيادة أصبحت تتأتى كما تشير الدراسات الاسرائيلية ذاتها عن النمو الطبيعي أكثر مما هي متأتية عن قدوم مهاجرين جدد سيما في ظل انسداد الهجرة الكثيفة الى اسرائيل بعد الموجة الكبيرة للهجرة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في تسعينيات القرن الماضي. 

في هذا الإطار يمكننا أن نفهم استراتيجيتين جديدتين مطروحتين بشأن الاستيطان الاستعماري في الضفة والقدس، أحدهما بات يراهن على أن النمو الطبيعي في المستعمرات مضافا اليه عدد قليل من المستعمرين الجدد سيكون قادرا على أن يوصل عدد المستعمرين إلى مليون خلال أقل من ٢٠ عاما من الان، هذا علما أن عدد المستعمرين حاليا يصل الى ٦١٤،٥٠٠ حسب أدنى التقديرات المطروحة من قبل حركة السلام الان، وهؤلاء يزيدون زيادة طبيعية بعدد٥٠٠ ١٧ سنويا مايعني ١٧٥ ألف سنويا و٣٥٠ ألف خلال عشرين سنة، مما سيوصل عدد المستعمرين إلى مليون على افتراض ثبات نسبة الزيادة السنوية، وكذلك على افتراض عدم قدوم مستعمرين جدد. 

الاستراتيجية الثانية لا تقل خطورة، وهي تتمثل بخطة وزير الإسكان الاسرائيلي يوأف جالانت لإحداث تغيير نوعي في مستوى المعيشة في المستعمرات بما يجعلها توازي المستوى الموجود في وسط اسرائيل، وتطوير مشاريع سياحية جذابة فيها، إضافة لأخرى صناعية وزراعية قادرة على خلق حالة هجرة داخلية ينتقل خلالها الاسرائيليون القاطنون داخل اسرائيل الى الضفة والقدس، وفِي هذا الإطار طرح غالانت مشروعا لنقل ٣٤٠ ألف يهودي من منطقة غوش دان الى مستعمرات الضفة، حتى ولو كعنوان سكن ثان لكل منهم، وبهذا تتحقق وحدة" أرض اسرائيل" وفق مفهوم الحكومة الاسرائيلية الحالية.  

إذن فإننا نقف اليوم أمام واقع جديد تصبح معه الزيادة السكانية في المستعمرات معتمدة على عاملي النمو الطبيعي، والهجرة الداخلية لليهود في إطار ما يسمى بأرض اسرائيل الكبرى، أكبر مما تعتمد على الهجرة من الخارج. ورغم التوقعات السكانية التي تشير إلى تساوي عدد الفلسطينيين مع عدد اليهود حاليا حتى بدون عودة أي لاجئ فلسطيني من الخارج، إلا أنه يجب التحذير من الاعتماد على العامل الديمغرافي وحده كمدخل للتغيير، سيما وأن نسبة الولادات الجديدة بين اليهود الأرثوذكس ( الحريديم) باتت تزيد عن نسبة الولادات الفلسطينية هناك، وهذا ما سيمنح اسرائيل فرصة للعودة إلى حالة التفوق الديمغرافي فيما لو استمرت زيادة نسبة الحريديم على ما هي عليه اليوم.  

ماسيترتب على هذين التحولين كبير وذو مغزى، إذ سيجعل إمكانية العودة عن إلحاق وضم " المناطق " إلى إسرائيل أمرا صعبا، كما أنه سيخلق حالات لجوء داخلية جديدة، وما حالة الخان الأحمر إلا مثالا صغيرا على ذلك، وقد يترتب ايضا توجه رسمي للترحيل إلى خارج البلاد استغلالا لظروف أي حرب قادمة قد تندلع. في هذا الوضع تبقى غزة لوحدها هي الدولة الفلسطينية اسرائيليا.

 ما يحتاج الى تفسير ايضا هو رد الفعل الفلسطيني القاصر رسميا وشعبيا، فعلى المستوى الرسمي طرحت استراتيجية التدويل " من فوق" سياسيا وقانونيا على انها الرد الأساس على سياسات خلق الامر الواقع على الارض من قبل اسرائيل، وذلك كما جاء ايضا في خطة الحكومة الفلسطينية ٢٠١٧-٢٠٢٢، وذلك بدون أن تترافق مع استراتيجية أخرى لخلق التدويل " من أسفل" عبر جلب المجتمع الدولي للعمل معنا على الأرض كفاحيا واقتصاديا وتنمويا للبناء في القدس والمنطقة ج، وخلق وقائع جديدة على الارض فيهما، وكذلك للعمل معا لكي نعلي مجددا قضية اللاجئين الفلسطينيين.

إذا علق الجرس بشأن هذا التوجه على الارض، فلن تنعدم البرامج للعمل، حيث أنها موجودة وبكثرة وما علينا سوى المبادرة . فماذا تنتظر الطليعة؟