• 9 تشرين أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : مقدسي غاضب

 

ترددتُ كثيرًا قبل أن أمسكَ القلمَ لأرثي لكم زهرة المدائن في هذا الزمن الرديء، بل

 أرذل الأزمان. لقد أضعتم القدسَ، قبّحَ اللهُ وجوهكم، وأيُّ مدينةٍ أضعتم، بعد أن كسرتم هيبتها، وخذلتم أهلها الصابرين، وشكّكتم بقداستها، وهمّشتم قضيتها حين تُركت (للوضع النهائي)، فبئسَ ما صنعت أيديكم.

الآن، وقد وصلت الأمور إلى خواتيمها، تذكّروا جيّدًا أنّ التاريخَ لن يرحم كل من باع وسمسر على جدران القدس العتيقة. تذكّروا جيّدًا، أنّ كل من سقط مدافعًا عن ثراها، سيقف ليحاسبكم أمام الله يوم تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه.

أُذكّركم إن كنتم نسيتم، أو تناسيتم، أنّ مصدر شرعيتكم اكتسبتموها من القدس، وأنكم من دون القدسِ، بعد اليوم، لا قيمةَ لكم، ولا شرعية. فما أوقحكم.

تناحرتم فيما بينكم على التمكين، وشتمتم أنفسكم بأرذل الأوصاف، ثم تآمرتم على كل شبرٍ في القدس لتضاعفوا أرصدتكم في البنوك، فبئس ما صنعت أيديكم.

في هذا الزمان الرديء، انطفأت أنوار القدس مرتين، مرةً حين سقطت تحت الاحتلال البغيض، ومرّةً أخرى حين جثمت على صدرها ثُلّة من المنتفعين الفاسدين، وباعوا بيوتها بأبخس الأثمان، وأداروا ظهورهم لها بكل وقاحةٍ وعهر، ثم تظاهروا أنهم لا يعرفون، رغم أنهم شهدوا على كل صفقات البيع والشراء.

أنني أعترف، لم يبقَ لنا - نحن الصابرين في حارات القدس العتيقة - من القدس إلاّ الذكريات، لم يبق لنا من القدسِ إلاّ أغنية زهرة المدائن للسيدة فيروز. ولسان حالنا يقول: الله أكبر على كل من باع وسمسر.

أيها البائسون: في كل المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات تبثّون كذبكم على القدسِ وعلى أهلها من خلال تبرعاتكم السخية والتي لا تصل، وتلعنون المحتل الغاصب أمام الكاميرات، ثم تلعقوا قفاه في الخفاء.

أيّها الخونة: في هذا الزمان الحقير، نصّبتم على القدسِ زعماء وقادة، هم من أرذل الناس، رغم أنها كانت تستحق منّا ما هو أفضل، لكنّ عهركم السياسي منعكم من أن تنصروا القدسَ. حسبي الله فيكم ونعم الوكيل فيكم. 

اتركونا نتلمس مدينتنا الأسيرة في حلكة الليل هذه، واخرجوا من رحابها الطاهرة، فكل مصارف المياه فيها هي أطهر من أطهركم، اتركوها لأن حاراتها العتيقة لا تتسع إلاّ لدراويشها، وعشّاقها الذين يعيشون في غرفةٍ أو نصف غرفة، صابرين مرابطين وهم ينتظرون فرج الله عز وجل، لا فرج  البشر.

أتركونا نكحّل أعيننا بما تبقى لنا من حجارتها العتيقة، نتابع خطوات صلاح الدين فيها، ونقبّل كل حبة ترابٍ وحجر. 

رحم اللهُ القدسَ، وأسكنها فسيح جنّاته، تُقبل التعازي في دار الحق، يوم تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه.

--