• 14 كانون أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سليمان ابو ارشيد

ما من شك بأن النظرة التي تميز بين عنصرية الأوروبيين تجاه اليهود الذين يعيشون بين ظهرانيهم، وعنصرية اليهود تجاه العرب الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، هي بحد ذاتها نظرة عنصرية استعلائية، لا تختلف في جوهرها عن نظرية العرق التي ترتب السلالات البشرية وفق سلم أفضلية.

وإن كان سلم "شعب الله المختار" يختلف عن سلم العرق الآري الجرماني، فإنه بالنتيجة يحلل لنفسه، انطلاقا من هذه الصفة، سلوكيات وممارسات يعتبرها لاسامية وعدوانية وعنصرية عندما يمارسها الآخرون ضده، فيما تصبح عادية ومتسامح معها عندما تمارس من قبل اليهود ضد العرب مواطني إسرائيل. ولكن، المفارقة الأشد في هذا السياق تكمن بتعامل العالم بمكيالين مع العنصرية الممارسة ضد اليهود، ومع عنصرية اليهود تجاه العرب في إسرائيل. 

القناة العاشرة الإسرائيلية قامت مؤخرًا بتحويل أسئلة استطلاع شبكة "سي إن إن" الأميركية، الذي فحص حالة العنصرية ضد اليهود في أوروبا، ونقله إلى الواقع الإسرائيلي، حيث استبدلت الأوروبيين باليهود الإسرائيليين واليهود بالعرب في إسرائيل، لتصل إلى نتائج مضاعفة بكل ما يتعلق بالنظرة العنصرية والمعادية للأخر.

وإذا كان ربع الأوروبيين يعتقدون بأن لليهود تأثيرًا على اقتصادات دول العالم وصراعاتها السياسية، وهو تعبير عن القلق من زيادة نفوذهم في هذه المجالات، وفق استطلاع "سي إن إن"، فإن 40% من اليهود في إسرائيل أعربوا، وفق استطلاع القناة العاشرة الموازي، عن قلقهم من تزايد نسبة الممرضات والأطباء العرب في المستشفيات، في حين عبر 37% منهم عن قلقهم من كون نسبة الصيادلة العرب تصل إلى 50% من المجموع العام.

ولو تجاوزنا تلك النتيجة، واعتبرناها نابعة من الشعور بـ"التهديد" من تعاظم نفوذ العرب ودورهم في الحيز العام، في إطار صراع على المواقع والمنافع، فإن النتائج التي تفضح الشعور بالاستعلاء والكراهية المجردة وغير المبررة لا تقل سوءًا، إذ أظهر الاستطلاع أن نصف اليهود في إسرائيل يرفضون السكن بجوار أو تأجير شقة لمواطن عربي لمجرد أنه عربي.

 واستمرارا لهذا التوجه أبدى 51% من اليهود الإسرائيليين انزعاجهم من مصادقة ابنهم لفتية عرب، وارتفعت النسبة إلى 53% عندما يجري الحديث عن بنت، كما أبدى 76% منهم رفضهم بأن يقيم ابنهم علاقة مع فتاة عربية، وارتفعت النسبة إلى 80% عند الحديث عن فتاة يهودية تقيم علاقة مع فتى عربي.

وإذا كان إشهار الهوية اليهودية مثل اعتمار "الكيباه" وقلادة "نجمة داوود" تثير بعض الأوروبيين؛ فإن نتائج استطلاع القناة العاشرة كشفت أن 43% من اليهود في إسرائيل يزعجهم مجرد سماع محادثة باللغة العربية في مكان عام. 

هذه العنصرية الفجة هي وليدة خليط من الشعور الاستعماري الاستعلائي، الذي يسعى إلى الحط من قدر الشعب المستعمر لتبرير استعماره لأرضه واحتلال مقدراته، ومواصلة شعاره بالدونية والعجز أمام قوة جبروته، وبين عقدة النقص وردة الفعل النابعة من الشعور بالازدراء الذي عانى منه اليهود في أوروبا في بدايات وأواسط القرن التاسع عشر، وهي عقدة عززت من استحضار وتأكيد مقولة "شعب الله المختار" من بطن التراث الديني.

ولعل هذا الأمر هو ما يجعل غالبية اليهود في إسرائيل جادين ب مسالة فوق اليهود على الشعوب الأخرى، لمجرد انهم ولدوا يهودا، ولأن الآخرين لم يرثوا المزايا الحسنة التي ورثها هؤلاء اليهود، وقد تراوحت في هذا السياق غالبية الإجابات التي أوردها الاستطلاع المذكور حول الإيمان بمقولة "شعب الله المختار" بين الموافقة والتردد بينما أجاب 43% فقط بالنفي القاطع لوجود مثل هذه المزايا.  

عن عرب ٤٨