• 29 كانون أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : غادة ياسين

يودعنا 2018 من جديد بعد أن دخل علينا مع دخلائه قبل عام.  أحضر لنا مزيداً من السفارات وحكومات لا تعتقد أن القدس لنا وتعتبرنا نحن الفلسطينيين عقبة في وجه السلام بعد أن اعتبرتنا إسرائيل ولعقود طويلة أشباه بني آدم، مقيمين أقل من "المقام"، بنت فوق رؤوسنا الجسور والطرق السريعة، وسيرت القطارات والشاحنات الثقيلة، وحتى الدبابات تمر بين بيوتنا معلنة الحرب علينا كل يوم.  فلننس أمر الزيارات والأقارب، من يحتاج إليهم حتى؟  ولننس أمر المناسبات والاحتفالات، ولتكن ثقافتنا عبئاً علينا نتحمل مشقة الحواجز من أجل تحقيقها، سواء كنا في طريقنا إلى طلبة أو عرس أو حتى حفلة تخرج أو عيد ميلاد. ولتغلق شوارعنا في الخامسة ونخلد إلى فراشنا في الثامنة.  إن نحن رفعنا علم فلسطين هاجٍمونا، وإن نطقنا كلمة فلسطين أو ألفنا شعراً ونشرناه على فيسبوك اعتقلونا.  أما انتخابات البلدية فأرغمونا على خوضها، واتهمونا بالسلبية والذعر من زعمائنا إن لم نفعل.  وأما الداخلية فسوف نكون على بابكم في الخامسة صباحاً على أمل الولوج قبل الثامنة والانتهاء في الرابعة عصراً.  سوف نضرب بعضنا ونكسر عظام بعضنا ونكيل على بعضنا السباب والشتائم، ليس عليكم فعل شيء من هذا. والشباب منا سوف يقفزون فوق السواتر والحواجز وسوف يصرخ عليهم الحارس بالعبرية وسوف لن يسمعوا كلامه وسوف تصرخ النساء وتبكي الأطفال ونبقى واقفين على أبوابكم مثل من يتسول الملح، لأننا فعلاً فعلاً وحقاً نحتاج إلى بطاقة الهوية.

أما فتياتنا وشباننا الذين يحملون مقصا أو مسطرة أو يلوحون بعصا خشبية أو يأتون بأي حركة ترعب جنودكم، فاقتلوهم في مكانهم، ودعوا دمهم يجري على درجات باب العامود، وامنعوا وصول الإسعاف إليهم، واقطعوا الطريق على بقيتنا ودعونا نقف هناك ننظر إليكم، ثم استدعوا عمال النظافة الفلسطينيين من البلدية ليغسلوا الطريق، ولتجري المياه الحمراء للمرة الألف على الطريق بينما نمشي فوقها ونرمق القطرات الغالية تشق طريقها إلى المصارف.

وبعد القتل شوهوا سمعة الضحية، واتهموهم بالإرهاب وبأنهم الملامون على أنكم قمتم بقتلهم، ولا يستحقون الرحمة ولا حتى جنازة، لذلك فقد تقومون بحجز جثثهم، وتهديد ذويهم بدفنهم في مقبرة الأرقام.  وقد تصدرون قراراً بهدم منازل أهلهم لأنهم مصدر الإرهاب، قائمة ما يمكن أن تعملوه طويلة، فانتم المسيطرون.

وبعد ذلك في يوم القدس بالنسبة لكم، والقدس كلمة لم تعد في قاموسكم، هي يروشلايم، أو جيروساليم، هي أي لفظ غير عربي وغير إسلامي.  في هذا اليوم استدعوا جميع متطرفيكم من كل حدب وصوب واطلقوا لهم العنان في شوارعنا، يهتفون لموتنا ويكسرون زجاجنا، ويتلفون أي شي مكتوب بالعربية، ويمحون آثارنا.  ألسنا نفهم بعد؟  غير مرغوب فينا، نحن لسنا المختارين، ليست دماؤنا نقية، لسنا أذكياء ولا كرماء ولا متقدمون، لا أمل فينا، ببساطة العالم أفضل من دوننا.

في وقت فراغكم اطردوا فلاحاتنا الجالسات على الدرج، وألقوا بالنعنع والبقدونس والجرجير.  بالمناسبة، لا تنسوا أن توقفوا شباننا، حتى الناطقين منهم بالعبرية والذين يحملون أكياس الساندويشات في طريق عودتهم من العمل في محني يهودا، أوحقائب المدارس في طريقهم لمدارسهم، أو حقائب الرياضة وهم في طريقهم إلى برج اللقلق.  فليأخذ كل خمسة منكم شاباً منهم إلى زاوية أو إلى أحد الأبراج التي نصبتموها حول أبواب المدينة العتيقة، أرغموهم على رفع ملابسهم، اركلوهم بين أرجلهم، حتى لو لم يفعلوا شيئاً اليوم فهم على وجه التأكيد يضمرون شيئاً، وحتى لو لم يفعلوا شيئاً اليوم فقد يفعلوه غدا.  لم الانتظار؟  اليوم أفضل من أي يوم للاحتلال، لا يهمنّكم شيء.

ولأن الجيش لا يكفي فعليكم بالمنظمات الاستيطانية تشتري البيوت بشتى الطرق والحيل، ولا تقلقوا، هناك من سوف يتعاون معهم، فملايينكم وأسلحة حراسكم تشتري لكم أي شيء بأي سعر كان.  ومن هناك لتكن هذه نقطة انطلاق لجعل حياة المزيد منا جحيماً.  لا عليكم، فلا أحد غيرنا ينظر ولا أحد يأبه.

أما بالنسبة للسكن، فبعد أن صادرتم أراضينا، لا تقلقوا علينا، لا تعطونا أية رخص بناء، ولا تقوموا بأي تخطيط أو تصريح، قوموا فقط بالهدم، وشردونا ولا تأبهوا أنا نحن ذاهبون، قد نلجأ إلى الضفة الغربية فتتمكنوا من تجريدنا هويتنا وتستريحوا منا بلا رجعة.  وفي أحيان كثيرة لا عليكم، سنقوم بالهدم عنكم، فلهذا جدواه الاقتصادية أيضاً.  لقد علمتونا الكثير مما لا يعرفه الكثيرون.

إن أردتم أن تعتقلوا أحدنا حتى ولو كان طفلا، احرصوا أن تأتوا في عتمة الليل، وأن تقتحموا بيوتنا وتنشلوا الطفل من فراشه.  اضربوه وهددوه واتركوه في العتمة والبرد. تذكروا قاعدة أنه إن لم يفعل شيئاً اليوم فقد يفعل غدا، واليوم أفضل من الغد للاحتلال، أليس كذلك؟

أما أسيراتنا، فحتى المحروقات منهن، فلا تأبهوا لهن.  الفلسطينيون لا يحسون بشيء.  أطفالهم لا يفتقدون أمهاتهم، والأمهات لسن كأمهات الغرب، لا يعرفن الأمومة.  الأسيرات اتركوهن في السجون ولا تأبهوا لأية نداءات أو استجداءات للإفراج عنهن.  لمَ يخرجن والاحتلال خارج السجن كما في داخله؟

أي احتلال هذا اشتد كالعاصفة في 2018 وقرر تسريع أعماله لأنه صبر 51 عاماً دون نتائج حاسمة.  فعلا قوة وضعف الشعوب شيء يصعب قياسه.  لا أعرف إن كان الحق سوف يضيع أو لا، لكن يومياتنا مع الاحتلال لا تنته.  2019 مقبل علينا بتردد، لكن لا يمكن له أن يعلم ما تخبئه لنا جيوبه والأقدار، ولا نعلم نحن.