• 31 كانون أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د سليمان غوشه

 

وانت تسير بشوارعها يزيد إحساسك بالغربة بكل يوم، وكل لحظة، بالامس كانت تخاطبك حجارتها وناسها،الْيَوْمَ تسير وانت لا تلتفت الا إلى الامام خوفا من ان تصطدم بالقادم اتجاهك منشغل  بهاتفه النقال، فكل في فلك يسبحون.

واليوم ايضا تتحاشى قدر الإمكان مركز المدينة خوفا من عديد الامور، الازدحام،الفوضى،والاهم الاستفزاز بكل طرقه والذي يزداد يومت بعد يوم ،الان امست ابراج المراقبة للشرطة وحرس الحدود في باب العامود امر واقعا وليست مجرد خبر!  قد يظن القادم للمدينة انها هنا منذ الازل ربما من ايّام صلاح الدين،او تركها لنا صفرونيوس،اما في باب الأسباط فالدوريات الراجلة ونقطة الشرطة تحت السور تحاصرك ذات اليمين وذات الشمال، فأحمد الرب انك قد بلغت من العمر عتيا، وفارقك شعر رأسك،فلا يهتمون بك عند مرورك كما يفعلون مع كل شاب وكل ناشىء.

الكاميرات وكأنها بعدد سكان المدينة،العشرات والمئات منها تحاصرك وتتطفل على حياتك اليومية، فتتذكر ”ولاء“ من قصة الكاتب اميل حبيبي في ”المتشائل“ ، فتخاف حتى من أحلامك لئلا تتهم بالتحريض على الدولة من ابطال صفحات التواصل الاجتماعي لا يبق الا النزير اليسير ، أمسوا يكتفون بالآيك،ويمتنعون عن الشير، وتتنوع اخبارهم ما بين اصحاب الفن والرقص الشرقي، لترى خبرا عن اعتقال او استشهاد لتعود الى خبر اخر عن البرشا والريال، فببساطة توقف العندليب عن اخبار وفيروز عن العودة، ومنع من الطيران بأجواء حبلى بالطائرات بدون طيار!

القدس هذه المدينة التى كانت تسكننا صرنا نفكر كم هو صعب وباهظ ثمن  السكن فيها ،....

هذا واقع الحال،وهذا تفكير الجيل الشاب  الذي ينحصر مستقبله بالعمل  في مطاعم وفنادق الشطر الغربي من المدينة وبالتنظيف وجلي الصحون وشراء السيارات المستعملة لنتباهى بها ايّام السبت امام مدارس البنات، يوم تتحرر القدس من رجال الشرطة والبلدية او تكاد ! ولا تتحرر من قيادات امتهنوا حرفة الصحافة والمقابلات،يطالعونا ليل نهار بشعارات الدعم والصمود !!

سياسيا،ما زلنا نتغنى بمعركة البوابات الالكترونية، وتلك وضعت الان دون اعتراض وكاننا ركنا الى نصرنا ذاك  ، اصحاب العمامات تلك لم يجتمعوا من يومها وهم من حملوا على الاعناق، اصحاب المناصب الرسمية في السلطة اختفوا عن حفلات توزيع الشهادات والأوسمة والدروع، فهم يمارسون صمودهم بصمت وبرواتب  تكبر يوم بعد يوم ..

حتى معركة مقاطعة انتخابات البلدية مارسوها بصفوف مهلهلة، ونحن لا نفرق بين المطلبي والوطني وللتأكيد بالإمكان الرجوع  الى المقالات والتحليلات  ايّام أزمة وزارة الداخلية، وقارنوها بقنابلهم النووية بمعركة البلدية، فهي إثبات اخر على انفصام الشخصية السياسية..

ومع ذلك،ما زالت قيادات الصف الوطني هي نفسها من المفرغين بدوائر الحكم في رام الله،او تنظيماتها او من  منظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، فلا نضال بالمجان وكل شيء بثمن بعد سقوط نظرية الاشتراكية...

بالمدينة شخصيات تتقاضى عشرات آلاف من الشواقل، باسم الشعب الفلسطيني ودون حسيب او رقيب، مهرجانات ثقافية وفنية بعضها تتطلب موافقة الطرف الاخر، وبعضها يقاد من جهات معادية لحلول الوسط، يركبون تيار اوسلو عند الضرورة ولا يستنكفون عن مد اليد للمؤسسات الدولية التى ترى لزاما عليها تمكيننا كجزء من حل الدولتين.

من الظواهر اللافتة في الاونة الاخيرة بروز تيار منتفع اخر بلباس وعباءة رجال الدين يقيمون الموالد وحلقات الذكر ويكررون ما ينشر على اليوتيوب ولا يقبلون الا بالالاف من الشواقل وهؤلاء لا يحاربهم احتلال وتعجز عنهم القوى الوطنية وفِي احيان تشاركهم الحضور على الأقل.

اقتصاديا: البلد تموت ومرة اخرى يسود سوء التصرف باموال المساعدات بصرف آلاف الدولارات او اليوروهات لتجميل واجهة بضع محال تجارية خارج الأسوار،  التي لا يقل ايجار الواحد منها عن آلاف الدولارات شهريا ولذا اسعارها تعادل تلك التى بباريس ولندن، بينما اخرى داخل الاسوار شبة مغلقة،والغرفة التجارية في سبات لا هي استطاعت الفرار من غضب التجار ولا نالت رضا السلطة الكامل

الناشط الوحيد بالمدينة هي الحركة السياحية ربما قلت قليلا حركة السياح الأتراك بفعل أزمة الليرة والعقبات الاسرائيلية للحصول على الفيزا، ولكن  من باقي دول العالم فالاعداد بالملايين وهذا رقم قياسي لإسرائيل ، فخصصت البلدية لهذه الوفود السياحية مواقف خاصة لحافلاتهم على حساب أهل المدينة كما  هو الحال بالقرب من جامع محمد الفاتح برأس العامود، الدخول لقبر المسيح يحتاج لساعات،وحارة النصارى تكتظ 

  في هذه العجالة نذكر مهرجان الاضواء كل عام كيف يركض اليه العرب واليهود، هذا الانتعاش اقتصر على العاملين بالسياحة، بعد ان امست مدينة السلاطين،وجهة أهل البلد،فأمست  شاغلة الناس .

الخاسر الأكبر كانت العلاقات الاجتماعية فنسبة الطلاق بين الازواج الشابة  في القدس  مرتفعة ومشاكل وصدامات وطوش شبة يومية وليست محصورة بالشهر الفضيل، وكما يقال معك“ قرش بتسوي قرش ” ولذا اصبح  التسابق المادي والفشخرة حال حفلات الخطوبة والطلبة والولائم والزفاف،الاهتمام بالقشور

الأخلاق في انحدار،حتى ان احد الأصدقاء اباح لي  بشكه بان امر ما اصاب المدينة وسكانها يتنقل بين الناس بالعدوى .

 هذا بعض من فيض عن حال المدينة وهي تودع عاما اخر وتزداد غربتنا فيها وعنها  فسلام لها في كل حين، وعيوننا اليها ترحل في كل حين ولا نرحل عنها  تعود كما كانت وكما نريد ان تكون