• 17 كانون الثاني 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : حازم  زكي البكري

  

  توجه في الرابع عشر من كانون الثاني 2019 وفداً مقدسياً الى العاصمة الأُردنية للإحتفاء بإشهار وإطلاق العمل الموسوعي المُميز لإبن القدس البار الدكتور محمد هاشم غوشة (الموسوعة الفلسطينية) التي اعدها باللغة الانجليزية وتتألف من سبعة ألاف صفحة تتوزع على  اربعة وعشرون مُجلداً فاخراً تروي حكايات فلسطينية خلال اربعمائة عام, وقد رعى الحفل سمو الامير الحسني الهاشمي الحسن بن طلال حفظه الله .

وخلال التقديم التعريفي للدكتور غوشة للموسوعة , فرد جناحيه مُحلقاً بالحضور فوق مروج فلسطين الخضراء وهضابها وجبالها الشامخة وسواحلها التي تعكس صفاء السماء .واخذه معه في رحلة الى مدن فلسطين وقراها بين ازقتها وحاراتها وشوارعها ومساجدها وكنائسها , ليشهدوا على أصالتها وعراقتها فما زالت الشواهد الكنعانية واليبوسية والُعمرية والأموية والعباسية والفاطمية والمملوكية والايوبية والطولونية والعُثمانية تحكي كل منها قصة , فراعنا ونحن في السماء معه مُحلقين , اين كان يعيش اجدادانا ومساكنهم وملابسهم الجميلة حتى اختامهم النُحاسية والرصاصية  الدائرية او السُداسية او الثُمانية التي كانت تنوب عن التوقيعات التي نعرفها اليوم , حتى بطاقاتهم البريدية  كانوا يختارونها بذوق وذكاء يُعبر عن مدى حبهم وانتماؤهم لهذه الارض .

أثنا عشر عاماً قضاها ابن القدس د,غوشة وهو يتجول بين مكتبات العالم واراشيفها يجمع المصادر الاوليه ومنها البكر لم تصل لها يد باحث قبله, او يعبث بها اصحاب الأهواء لينقُل لنا منها صور مُختلفة تنبض بالحياة الفلسطينية فتسحرك لوحات اقلام الفحم التي ترمي بظلالها على الارض الطاهرة وتشمخ بالعز بلُبدة أسد فلسطين او اللوحات الملونة التي تعيد الى حجارتها الوانها الاصيلة من وردية وارجوانية وبيضاء والصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدسات الرحالة , والتي عمرها من عمر اكتشاف آلات التصوير وكأنها  أخترعت من اجل فلسطين ,فهنا ترى الحسون وشقائق النُعمان وهناك ترى البشر والحجر , وهنا ترى سور عكا قاهر نابليون وهناك ترى المدفع , وقبة الصخرة دائماً كانت قبلة المصورين فيسجلون لنا كل نقشاً وزخرفة ومحراب ورواق وبائكة ومصطبة , لا يتركون شجرة او ذرة تُراب الا رصدتها تلك العدسات.

 ويخفض د, غوشة جناحيه ليبدأ في رحلات غوص بين الاوراق القديمة التي تآكلت اطرافها وتغلغت بها الخروم , وبين وثائق المحاكم الشرعية من غزة الى الخليل الى القدس الى نابلس الى صفد الى عكا الى طبريا ويمر على الناصرة وغيرها ليثبت بموسوعته ليُثبت الوقفيات والاملاك .

 وقد اخذنا معه د, غوشة في جولة استمرت اربعة قروناً من الزمن من تاريخ الاجداد الاماجد القابضون على الجمر , الراسخون في الارض , يشهد لهم الحجر والشجر والتراب الذي انجبل بدماؤهم وعرقهم فيسطر بين دفتي سفره أسماء اكثر من ثلاثة عائلة فلسطينية تشهد على صمودها ورباطها وتمسكها في هذه الارض ففيها ما يستحق العيش من أجله  رغم ما تعاقب عليها من نوائب الزمن .

د ,غوشة ابن القدس والمُسجل عالمياً في موسوعة جينيس كأصغر مؤرخ في العالم , انجز هذا العمل الموسوعي المتفرد والمُتميز بجهد فردي سلط على الحقائق والوقائع المُغيبة وصحح من مفاهيم خاطئة سائدة من تاريخ فلسطين في تلك الحقبة.  الموسوعة التي خطها قلم فلسطينى بإمتياز وازال ومحى  كل ما كُتب عن فلسطين تحكم بها الاهواء والمصالح التي تُدلس وتُحرف التاريخ بما يتوافق واطماعها.

ومن يتصفح هذا العمل يظن ان  فرقاُ من الباحثين والمُعدين قد اجتمعوا له , ليتفاجأ بل قد تصيبه الصدمة او الذهول عندما يرى انه عمل (منفرد) , يجعلني اقول في د,غوشة ان الله استعمله من اجل هذا العمل فجعله عدة رجال في رجل واحد , واحمد الله ان الله رزق القدس بمثله وادعو الله ان يتكرر امثاله في العطاء.

وقد قدم هذه الموسوعة سمو الامير الحسن بن طلال حفظه الله والذي كان يدعم د,غوشة معنويا ويشجعه اثناء انجازه الذي وصفه الامير بانه افضل عمل فلسطيني خلال مائة عام منوهاً للانس الجليل بين القدس والخليل للعُليمي الذي يُعد من افضل الاعمال التاريخية الفلسطينية . وقد خص سمو الامير الوفد المقدسي المكون من السادة ( اسامة صلاح وخليل العسلي ومازن اهرام وحازم البكري وطارق الكولاغاصي وخليل جعفر ورائد نسيبة وعباس المحتسب ) بلقاء خاص لمسنا فيه حب الحسن وعشقه للقدس  واهل القدس وبين سموه اهمية القدس على المستوى العالمي وانها القاسم المشترك الذي قد يجمع الأمة بإذن الله.

واخيراً  وراء هذه الاعمال الكبيرة  والتي تبقى خالدة وتترك اُثراً لمن خطها هناك دائما جنوداً مجهولين  لا يذكروهم التاريخ , ولا يعرفهم الا من لهم تجربة في مثل ذلك وإن قلت , هؤلاء الجنود هم أسرة المؤلف ,اهل بيته الذي سرق القلم عمود البيت لساعات وايام  وربما لشهور او سنوات , كانوا  بحاجة اليه ,ولكنهم من اجل القدس ومن اجل فلسطين كانوا الشعلة التي تضيئ له الاوراق والمداد الذي يجري في اقلامه , لهؤلاء الجنود منا كل التقدير والاحترام ونسأل الله ان يكون عملهم في ميزان حسناتهم.