• 26 شباط 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم: سامر ابوسير

منذ هزيمة 67 والمجتمع الفلسطيني المقدسي يتعرض لضغوط تساهم في فرض حالة من التغيرات القسرية بحقهم، وسلطات الاحتلال منذ استكمال احتلال المدينة اتخذت العديد من القرارات السياسية والقانونية والعنصرية بحق المدينة وكل الامكان التي في داخلها وفي مقدمتها الاماكن المقدسي اسلامية كانت ام مسيحية، دون ان يسلم انسان هذه المدينة الفلسطيني المقدسي، الذي عانى هو الاخر من سياسات القهر والظلم والقمع سعيا لتهجيره او اسرلته.

ولم يخفي الاحتلال هذه السياسات المرسومة للمدينة في ايامه الاولى ونيته تحويلها لمدينة يهودية بامتياز، نجح في تحقيق بعض هذه الاهداف اهمها على الاطلاق عزل المدينة جغرافيا عن امتدادها الطبيعي الضفة الغربية وعزلها انسانيا عن المد البشرى لهذا الامتداد، فليس بسيطا ما خلفه جدار الفصل العنصري بالنسبة للمدينة ومحيطها، حتى كمحاولة تغيير الملامح التاريخية والحضارية ذات الطابع العربي والاسلامي والمسيحي، عبر التجديد وادخال التغييرات العمرانية والهندسية المتنوعة في البوابات ومداخل المدينة او حتى بالمنظر الجوي لها والذي هو الاخر تأثر بهذه الخطط الهندسية الصهيونية الهادفة بشكل واضح لاسرلة وتهويد المدينة، ومحي شكلها المألوف فلسطينيا.

وفي جوانب اخرى فشلت حكومة الاحتلال بكل الممارسات والسياسات الضاغطة ان تنتصر على الانسان الفلسطيني المقدسي، بكل المناسبات وعلى مدار تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، صحيح انها هجرت واخرجت لخارج حدود المدينة الالاف من المواطنين المقدسين، لكن من بقي ضمن حدود حرية الحركة في المدينة وضواحيها يؤمن ايمانا قاطعا ان لا مفر امامه غير الصمود والتحدي، فلا شيء يخسره، فأما ان يقف وقفة عز وكرامة واما ان يبقى خانعا ذليلا تحت رحمة السياسات الاحتلالية.

 تثبت لنا الخصوصية المقدسية بكل يوم يمر انهم الاقدر على حماية القدس وحماية الهوية الوطنية الفلسطينية، ولم يسجل ضدهم انهم تخلوا عن واجبهم الوطني تجاه الشأن العام الفلسطيني او الشأن الوطني المقدسي، وهذا ديدنهم المشهود له في كل المراحل والمحطات الصعبة والقاسية، فليس من السهولة الحديث عن تمرير مؤامرة عليهم تمس أي شيء مقدسي ومقدس، والامر لا يختصر على الدفاع عن المقدسات الإسلامية المسيحية، ولا لحماية الوعي الوطني من السياسات الصهيونية بحق الانسان والمدينة، بل ايضا، على تلك المؤامرات كل المؤامرات التي تحاك ضد القدس والمقدسين.

الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية منذ اتفاق اوسلو الموقع 1993 حتى يومنا هذا والازمات التي تلاحق القضية بين الحين والاخر ولا يقل تأثيره عن الاتفاق المشؤوم هو الانقسام الذي عزز وعمق ادرات الظهر لقضية القدس، مما اعطى المجال واسعا للاحتلال وحكوماته وفتح له الابواب المغلقة  بان تتغول في ممارساتها وتنفيذ برامجها تجاه المدينة، فلم يسلم في القدس شيء لا حجر ولا شجر ولا بشر او حتى اسم، فالكل تحت مقصلة المحتل الذي لم يعد ينظر للوراء سنتمترا واحدا ليتراجع عن مخططاته التدميرية، لأنه يدرك  عمق الضعف الفلسطيني.

 اما والقدس والمقدسين الذين أصبحوا يشعرون بحالة التهميش واللامبالاة الفلسطينية اصبحوا تحت رحمة منشار الاحتلال الاسرائيلي، الذي لا يتوقف عن السلب والنهب والتهجير والهدم والتهويد او الأسرلة، كان يجب على ابنائها التصدي والمقاومة والتمرد والانتفاض بوجه كل السياسات التي تمسهم بكل ما للكلمة من أثر على كل ما هو مقدسي، ولم تبدأ تلك المواقف في التصدي للمجحوم شارون عند تدنيسه المسجد الاقصى عام 2000، بل قبل ذلك بكثير فالمقدسيون كانوا بالمرصاد في كل المناسبات التي تتطلب الوقوف وقفة رجل واحد، ولن تنتهي عند فتح بوابات المسجد الاقصى وبوابة الرحمة امام المصلين والذي اغلق عنوة عام  2006 من قبل جيش الاحتلال، ولن تكون الهبه الاخيرة لان المقدسين يدركون جيدا بمعرفتهم للاحتلال واغراضه الخبيثة، ان الصراع الفلسطيني مع الاحتلال طويل الامد ولن توقفه هبة او انتفاضة او صمود هنا ومواجهة هناك، بالرغم من اهميتها كعامل تراكمي للعملية النضالية التي تقرب الفلسطيني للتحرير ونيل الاستقلال الوطني.

القدس دوما كانت شرارة التفجير للعديد من الهبات والانتفاضات الوطنية في فلسطين، وستكون كذلك لأنها عنوان الصمود الوطني الفلسطيني، عنوان الحق الشرعي لأصحاب الحق الفلسطينيين فلا تكتمل فلسطين بحريتها دون عاصمتها القدس، ولن يكلل أي انتصار بعيدا عن القدس، وكذلك للخصوصية التي تتمتع فيها وتحملها بين جنبات حروف اسمها، سيتصدى المقدسين لكل حدث يمس المقدسات باختلافها او يمس المدينة او انسانها الشجاع المقدام والمستعد لان يقدم الغالي والاغلى على مذبح الحرية للوطن والقدس كجزء اصيل منه.

المقدسيون قالوها بكلمة اقوى من الرصاص، القدس قدسنا ولن نساوم على حبه رمل من رملها، المقدسيون جسدوها سنجوع ونموت ولن نركع حتى لو بقينا زمنا طويلا على اعتاب ابواب المسجد الاقصى وكنسية القيامة، هبة القدس لن تتوقف مادام الدم بالعروق المقدسية يجري.