• 3 آذار 2019
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : المحامي زياد أبو زياد

 

كتبت بوست على صفحة الفيسبوك قبل يومين أعلق فيه على القرار بتعطيل المدراس بسبب المنخفض الجوي المتوقع ، وتساءلت عما إذا كان القرار بتعطيل جميع المراحل المدرسية قرارا أرعن.

وأعترف بأنني لم أكن أتوقع أن يثير البوست ردود الفعل التي أثارها والتي عكست في مجملها صورة مؤسفة لواقعنا نمر بها ونعيشها كل يوم ولكن يبدو أننا تعودنا عليها فلم نعد نتحدث عنها كثيرا ، وهذا أمر مقلق لأنه إما أن يكون ناتجا ً عن استشراء روح اللامبالة بيننا أو لأننا وصلنا لمرحلة من اليأس والإحباط لم نعد معها نفكر بتغيير واقعنا السيء أو حتى الحديث عنه أو مجرد التفكير فيه . 

ونظرا ً لأهمية ردود الفعل والتعليقات التي كتبها الأصدقاء الإفتراضيون الذين لا أعرف معظمهم شخصيا ً ولكني طورت نوعا من الصداقة الحميمة معهم دون أن أراهم وهذا بعض ما يميز ما نسميه بالعالم الافتراضي ، فقد قررت أن ألخص هذه الردود التي تعبر عن بعض النقاط المفصلية لمشاكلنا ومعاناتنا اليومية.

ولا بد باديء ذي بدء من القول بأن معظم إن لم يكن جميع التعليقات لم تنتقد أو تعارض قرار وزارة التربية والتعليم العالي بتعطيل المدارس بل رأت فيه قرارا ً صائبا ً ، مع أن البعض ذهب الى القول بأن قرار الوزارة يشكل إقرارا ً منها بعدم جهوزية المدارس بشكل خاص والبلد بشكل عام لمواجهة الأوضاع الشتوية.

وفيما يلي صورة الوضع كما يراه المواطنون:

كانت حالة الطرق موضع إجماع بين جميع الذين علقوا على البوست. فقد اشتكى الجميع من أن الشوارع والطرق تفتقر للأرصفة إما لأن أصحاب المحلات التجارية وضعوا بضاعتهم عليها أو لأنهم ضموا الأرصفة لمحلاتهم وبالتالي يضطر الأطفال للسير في الشوارع بين السيارات لانعدام الأرصفة ويتعرضون للخطر وأن المطر وتجمع المياه في الشوارع يزيد من احتمالات تعرضهم للدهس أثناء سيرهم في الشوارع بين السيارات والمطر ينهمر فوق رؤسهم ويفقدهم القدرة على استطلاع ما حولهم وتجنب السيارات. 

وأجمع الكثيرون على أن المشكلة الأخطر هي اكتظاظ الشوارع بالسيارات المشطوبة التي لا تأمين ولا ترخيص ، والسائقين الذين يقودون هذه السيارات المشطوبة دون أن يكون لدى الواحد منهم رخصة قيادة مما يزيد من خطر وقوع الحوادث .

وثمة أمر آخر أشارت اليه التعليقات وهو أن شوارعنا مليئة بالحفر والمناهل المغلقة بسبب الأوساخ وسوء التصريف وأن معظم الشوارع تفتقر لشبكات صرف للمجاري والمياه مما يحول الشوارع الى برك مياه مختلطة بالمياه العادمة مما يُعرض السيارات والبشر للخطر.

وقد كتب أحدهم تعليقا ً يقول " في دول العالم الأخرى يقومون بتصريف المياه ليذهب الطلاب الى المدارس أما عندنا فيقومون بتصريف الأطفال لتبقى المياه في الشوارع".

واشتكى البعض من حالة الصفوف المدرسية في بعض المدارس الحكومية وبأنه لا توجد فيها تدفئة وأن زجاج بعض الصفوف مكسور وأن الأطفال يرجفون من البرد طيلة ساعات وجودهم في المدارس. وأن هناك بعض الصفوف المدرسية تدلف على رؤوس الأطفال .

وهناك ملاحظات عامة منها أن الأجيال الجديدة لا تتحمل " الدعك " مثلما كانت الأجيال السابقة ، ولا تريد أن تتعب وتفضل البقاء في البيت على أن تبذل مجهودا إضافيا وتحمّل البرد والتوجه الى المدارس ، وألقوا اللائمة على التكنولوجيا ووسائل التواصل والألعاب الألكترونية التي بين يدي الأطفال والتي تستحوذ على عقولهم وتقلل من حركتهم الجسدية. 

وتساءل البعض لماذا لم يتم الإكتفاء بتعطيل الصفوف الدنيا فقط واستثناء الطلاب في الصفوف الإعدادية والثانوية من التعطيل.

أما إحدى الإمهات وهي موظفة فقد اشتكت من أن قرار تعطيل المدارس جاء مفاجئا ً وأنه ليس هناك من سيكون مع أطفالها في البيت لأنه لم يكن لديها الوقت الكافي للترتيب مع أحد من الأقرباء للبقاء مع أطفالها . واقترحت لو أنه تم تعطيل الدوائر أسوة بالمدارس حتى تتمكن الأمهات العاملات من البقاء مع أطفالهن في هذا الجو العاصف.

وثمة ملاحظة لا بد من الإشارة إليها وهي أن منطقة القدس وخاصة منطقة كفر عقب وسميرميس وقلندية تميزت بشكل خاص دون سائر أنحاء الوطن بتراكم المياه في الشوارع بشكل برك وتحول المناهل الى شلالات وعرقلة سير الحياة الطبيعية . وجميع هذه المناطق التي يسكنها عشرات الآلاف من المواطنين واقعة ضمن حدود بلدية الاحتلال حيث تم ضمها للقدس بعد احتلال عام 1967 وسكانها يحملون الهوية الزرقاء وقد شهدت بعد بناء جدار الفصل العنصري حركة عمرانية نشطة جدا ً وخاصة البنايات متعددة الطوابق والشقق والتي يتم بناؤها دون ترخيص ودون توفير البنية التحتية من مجاري وشبكات صرف وشبكات مياه وطرق وخدمات جمع القمامة بينما تقوم بلدية الإحتلال بتحصيل ضرائب مسقفات (أرنونه) تبلغ مئات الملايين من الشواقل سنويا دون أن تُقدم لها أية خدمات ، وتقوم وزارة داخلية الاحتلال بابتزاز هؤلاء المواطنين وتهديدهم بالغاء هوياتهم الزرقاء والتأمين الصحي إذا لم يدفعوا تلك الضرائب.

ومن المؤكد أن سلطات الاحتلال التي تستغل هذه الأحياء كبقرة حلوب دون أن تقدم لها أية خدمات إنما تفعل ذلك مؤقتا ً وسيأتي يوم تقوم فيه بالتخلي عن سكان هذه المناطق والغاء هوياتهم الزرقاء في إطار سياستها العنصرية لتقليل عدد السكان العرب في القدس بعد أن تكون قد أنهكتهم وحصلت منهم مئات بل مليارات الشواقل وبعد أن تكون قد حولت أحياءهم الى عشوائيات تسودها الفوضى العمرانية وتفتقر الى أبسط صور البنية التحتية.

فالإحتلال يحقق الثراء الفاحش غير القانوني على حساب هؤلاء المواطنين. وهذه المناطق تُشكل عالما متروكا ً لا تقوم إسرائيل بتوفير الخدمات أو حفظ النظام والسير فيه ، وتلقي عبء تلك الخدمات على السلطة التي لا تجبي أية ضرائب ، وبنفس الوقت تمنع الشرطة الفلسطينية من العمل علنا داخل هذه المناطق مما يفاقم تدهور الأمن المجتمعي والنظام العام. وهذا الوضع الشاذ المتدهور باستمرار يشكل قنبلة زمنية قد تنفجر في أية لحظة في وجه الجميع لا سمح الله ولا بد من التفكير قبل فوات الأوان في كيفية ايجاد حل لها.  

هذه هي زبدة التعليقات التي وردت على البوست أردت أن أضعها أمامكم وأستطيع أن أجملها بالعبارات التالية :

رغم كل مظاهر الرقي العمراني والإدعاء بالإزدهار الإقتصادي إلا أننا فشلنا منذ عام 1993 من تطوير الشوارع ومنع حدوث الحفر وتركها حين تحدث وعدم تطوير وتحسين شبكات المجاري وتصريف المياه ومنع تراكم القمامة في المناهل.

ورغم كل مظاهر الرقي العمراني إلا أننا فشلنا في تطبيق القانون ووضع حد لظاهرة السيارات المشطوبة غير المرخصة أو المؤمنة مما جعل الشوارع تكتظ بالسيارات ومضاعفة الاختناقات المرورية وتعريض حياة المارة للخطر لانعدام ضبط السير وضمان سلامة وسلاسة الحركة في الشوارع والطرقات.

ورغم كل مظاهر الرقي العمراني ما زال هناك الكثيرون ممن لا يتوفر لديهم الوازع الديني أو الأخلاقي الذي يمنعهم من الاعتداء على الأرصفة سواء بضمها للمحلات التجارية أو وضع البضائع عليها. في حين لا تقوم البلديات بالتعاون مع الجهات المختصة بوقف هذه الظاهرة. 

ورغم كل مظاهر الرقي العمراني ما زالت الشرطة غير قادرة ، سواء لأسباب تتعلق بها أو لأسباب خارجة عن إرادتها ، على ضمان تطبيق القانون وفرض هيبة الحكم من خلال السيطرة على قانونية وسائط النقل وضبط السير ووضع حد لظاهرة السيارات المشطوبة ، والتعاون مع البلديات لمنع الاعتداءات على الأرصفة وتقديم المخالفين الى القضاء وردعهم عملا ً بالقول المأثور " يرتدع بالسلطان من لا يرتدع بالقرآن " أي بالقانون.

وأخيرا ً ، رغم الأموال الطائلة التي تنفق على بعض المظاهر التعليمية والاحتفالات لا تزال هناك صفوف مدرسية زجاج نوافذها مكسور وتفتقر للتدفئة ولا توفر الجو المناسب الذي يشجع أولياء الأمور على إرسال أطفالهم للمدارس في أيام المطر والبرد كما هو في الأيام العادية . ومع تفهمنا للتحديات والصعوبات المالية التي تواجه الوزارة إلا أننا نأمل العمل على معالجة هذه الأمور بشكل جذري.

الوضع يستدعي وقفة جدية مع الذات والإجابة على السؤال : هل فعلا ً وضعنا كل مواردنا وإمكانياتنا لتطوير بلدنا وخدمة مواطنينا أم أن كثيرا منها قد ضاع هدرا.

سؤال صعب ولكنه ينتظر الجواب وبإلحاح.