• 21 نيسان 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : المحامي زياد أبو زياد

 

كانت انتخابات مجلس طلبة جامعة بير زيت هي التي استقطبت الإهتمام على الساحة السياسية الداخلية الفلسطينية ولكن ليس على ساحة الرأي العام الفلسطيني الذي تبقى همومه اليومية أكبر بكثير من حدث داخلي يسترعي اهتمام الفصائل ولكنه لا يسترعي اهتمام الكل الفلسطيني.

فالرأي العام منشغل بهمومه اليومية سواء ما هو ناتج عن الاحتلال والاستيطان وممارساته أو ما هو ناتج عن غياب سلطة القانون عن كثير من مرافق الحياة اليومية للمواطن مما يزيد من معاناته وهمومه.

ويرجع الإهتمام بانتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية في الداخل قبل مجيء السلطة حيث كان يُعتبر مؤشرا ً على اتجاهات الرأي العام ومدى تماهيه مع الفصائل أما بعد مجيء السلطة فإنني أشك كثيرا ً في صحة القول بأن هذه الانتخابات تعكس صورة الرأي العام ذلك لأن هذه الانتخابات فقدت براءتها العذرية وأصبحت تخضع لتدخلات وإغراءات أفقدتها القدرة على أن تكون فعلا ً مرآة للرأي العام. 

وأذكر في هذا الصدد ما قالته لي طالبة محجبة ترتدي الجلباب وتدرس في جامعة بير زيت إذ قالت : " أنا لا تعنيني فتح ولا حماس وإنما يعنيني من سيدفع عني القسط كله أو بعضه وسوف أصوت لحماس". وأنا أضيف الى قولها فأقول بأني أكاد أجزم بأن هناك من بين من صوتوا لفتح قد صوتوا لنفس السبب.

وما أريد التوصل إليه في مطلع هذا المقال هي أن توجهات الرأي العام تختلف عما أظهرته الإنتخابات الجامعية وهي قد تعطي نسبة أعلى أو أدنى لكل من الحركتين المتنافستين !

والأمر الثاني الذي أريد أن أشير إليه هي المبالغة في المظاهر الاحتفالية التي تمت بعد إعلان النتائج وبشكل أثار الكثير من ردود الفعل السلبية لدى العديد من المواطنين النشيطين في وسائل التواصل الإجتماعي والذين هم غالبا ً ما يعكسون توجهات الرأي العام أكثر مما تعكسه هذه الانتخابات.

فالمعروف هو أن أكثر المظاهر السلبية التي تشوب الأفراح هي ظاهرة إطلاق الرصاص وقد شهدنا حالات سقط فيها ضحايا نتيجة إطلاق الرصاص في الأفراح في الأراضي المحتلة وفي دول الجوار ، ونحن نتوقع دائما ً من قوى الأمن الفلسطيني أن تنشط في وضع حد لهذه الظاهرة السلبية الخطيرة ولكن قيام البعض بإطلاق الرصاص العشوائي من أسلحة أوتوماتيكية في شوارع رام الله احتفالا ً بفوز فتح في انتخابات بير زيت دون أن يتبع ذلك فعل رسمي ولو على الأقل لشجب هذه الظاهرة بالكلام أو اتخاذ اجراءات ضد من مارسوها هو أمر يدعو للقلق وللأسف معا ً.

وأكثر من ذلك فقد سمعت أنه تم ذبح الخراف في الحرم الجامعي احتفالا ً واحتفاء بالمناسبة فهل ينسجم هذا العمل العشائري مع التقاليد والأعراف الجامعية في عصر التقدم العلمي وفي صرح جامعي فلسطيني حاز ويحوز على شهرة أكاديمية عالمية وهو أول جامعة فلسطينية كان يُنظر إليها على أنها جزء من الخطوات الأولى التي خطاها الشعب الفلسطيني على طريق بناء الدولة ووصف موشه ديان في حينه هذه الخطوة بأنها تشبه خطوة إقامة الجامعة العبرية في القدس في الرابع والعشرين من أيلول عام 1918 كخطوة على طريق إقامة الدولة العبرية. 

هذا ما يتعلق بالمظاهر السلبية التي أعقبت إعلان النتائج أما النتائج نفسها فإنها تستحق وقفة طويلة جريئة وصريحة. وهنا لا بد من التساؤل : هل كانت هذه الانتخابات هي فوز أو نصر لحركة فتح ؟ وإذا كان الجواب نعم فكم هو حجم ذلك الفوز ، وهل هو بحجم فتح أن تحتفل لفوزها بفارق ثمانية وستون صوتا ً من أصل حوالي تسعة آلاف صوت شاركت في الانتخابات. هل هذا هو الفوز الذي كانت تحققه فتح في الزمن الجميل زمن العمل الوطني الذي لم يكن يخضع للإغراءات ولا التدخلات بل كان عملا ً وطنيا ً ناتج ونابع من قناعات والتزام ؟

قد تكون المبالغة في الاحتفال بالفوز في انتخابات بير زيت هي تعبير عن حالة الإحباط التي تعيشها الحركة الوطنية التي تبحث بشمعة في الظلام عن بصيص أمل وبارقة انتصار وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا هو أمر محزن وليس مفرح.

كان يمكن أن تكون انتخابات بير زيت مؤشرا ً الى اتجاهات الرأي العام لو تمت في أجواء أكاديمية غير خاضعة للضغوط أو الإغراءات أما وقد كانت كذلك فلا أعتقد أن هناك سبب للإحتفال أو للمبالغة في الاحتفال.

وإذ أقول هذا القول عن انتخابات جامعة بير زيت فإن الشيء بالشيء يُذكر ولا بد من التنويه من أن الجامعات في قطاع غزة لا تستطيع أصلا ً إجراء الانتخابات لمجالس الطلبة ولا يجوز لمن لا يسمح أصلا بإجراء الانتخابات الجامعية في قطاع غزة أن يعلق على انتخابات بير زيت أو حتى على الاحتفالات التي جاءت في أعقابها فأجواء القمع في القطاع هي حكاية أخرى طويلة.

وأضيف قائلا ً أن الانتخابات بغض النظر عن الفرق البسيط الذي لا يُذكر بين الطرفين قد أظهرت بأن هناك طرفين رئيسيين على الساحة الوطنية الفلسطينية هما فتح وحماس وأن الأطراف الأخرى مجتمعة لا تمثل أكثر من تسعة في المائة (9%) من الطلبة ، فهل يجوز لأي من الطرفين أن يتحالف مع ال 9% ويتجاهل الطرف الآخر ؟ هذا تساؤل مشوب بالمخاوف من ثقافة الإقصاء والاستحواذ.

وأخيرا ً ، إن على كل من رقصوا وأطلقوا الرصاص في الهواء وذبحوا الخراف وكذلك الذين لم يرقصوا ولم يذبحوا الخراف ولم ينعموا بالفوز أن يفهموا بأن الفوز الحقيقي للشعب وللحركتين وللكل الوطني الفلسطيني هو حين يتم الانتصار على الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والتوجه الى صناديق الاقتراع ليس لاختيار مجالس للطلبة وإنما لاختيار برلمان ورئيس ، عندها نكون جميعنا قد انتصرنا سواء كان لنا نصيب في صناديق الاقتراع أم لم يكن.