• 23 آيار 2019
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم القاضي المقدسي : فواز ابراهيم نزار عطية

 

عندما كُتب علينا الصيام نحن معشر المسلمين من الخالق الذي هو اعلم بما يحتاجه المخلوق على الصعيدين الدنيوي والآخرة، فهو فرض رباني سبق وأن فُرض على الذين آمنوا بالله من قبلنا وهم اليهود والنصارى، وليس من قبيل العبث أن يُكلف الله عباده بعبادة تتسم بالمشقة والتعب إلا لحكمة بالغةِ بالغة نجهل أكثر غاياتها، وبعيدا عن فوائد الصوم روحيا وصحيا وفق احدث الاكتشافات العلمية، فإن جُل مقالتي اليوم تدور في رحا العادات التي نشاهدها يوما تحت مسمى موائد الرحمن التي تبعد كل البعد عن اسم الله الأعظم، فقد تم زج اسم الرحمن ريائا ونفاقا في كثير من الموائد المقدمة في شهر الصوم بهدف تطبيق المثل الشعبي" شفوني يا ناس" .

 وبذات الوقت يجب ألا يغيب عن أذهاننا مدح الله  تبارك وتعالى للذين ينفقون في سبيله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات مَنَّا على من أعطوه فلا يمنُّون به على أحد، ولا يمنون به لا بقول ولا فعل، حيث قال الله تعالى في سورة البقرة الآية 263-264

قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ، يا ايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي يتفق ماله رناء الناس " ..

واقع الحال للكثير من الموائد الرمضانية في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية بل في المجتمعات الاسلامية بشكل عام تُستغل للإستعراض إلا من رحم ربي، واصبحت عادة وليست بهدف العبادة، فكم من الموائد التي تقدم عليها أشهى وألذ ما طاب وعدد كبير من الجالسين على الموائد مفطر ولا يصوم؟؟؟وكم من الجالسين حول تلك الموائد يمارس طقوس الصوم دون اذى؟ وهل نشاهد على موائد رمضان الفقراء والمساكين والأيتام وحولهم اصحاب السيادة والنفوذ؟ أم هل نشاهد فقط اصحاب رؤس الاموال واصحاب السعادة يتسامرون في احوال البورصات وآخر المستجدات الاقتصادية والسياسية تحت مسميات زائفة هدفها الاستهلاك المحلي وتحت شعارات وطنية والوطن براء كل البراءة من تلك التصرفات؟؟

ما لفت انتباهي في الحي الذي اسكنه في القدس أن طواقم البلدية من عمال النظافة خلال الشهر الفضيل، يوميا يأتون في الموعد ذاته على صلاة الفجر لنقل النفايات من حاوية النفايات، وهذا عمل جليل لكن آثاره مقلقلة وتدل على شيئ واحد ووحيد أن نفايات الحي زادت بنسبة رهيبة، مما يعني أن حكمة الصوم لم تأتي بثمارها على الصعيد النفسي بتهذيب النفس وترويضها بعدم الاكثار من الطعام والشراب في ظل وجود أُناس كُثر محرومون من النِعم التي تفضل الله بها علينا، وكأن شهر الصيام اصبح شهر الشهوات للطعام والشراب، والنتيجة ملئ حاوية النفايات بما زاد من اطعمة مما جعل من القائمين على اعمال النظافة بتكثيف عملهم يوميا خلال الشهر الفضيل بعد أن كانت سيارة نقل النفايات تأتي ثلاثة مرات في الاسبوع.

وعليه منظومة الحياة أصبحت معقدة تقاس بالمادة، فقدنا الامور المعنوية في كثير من المجالات وكأن الامر اصبح يقاس بالجهر في الصدقات، عطل الكثير منا حاسة الشعور بالآخرين، واتخذ الكثير منا العادة على أنها عبادة تطبيقا لقوله تعالى في سورة لقمان الآية 21 " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ....فكان من الافضل على اصحاب الموائد الجلوس مع اهل بيتهم وتناول الافطارمعهم إن كانوا يمارسون شعيرة الصوم  بما لذ وطاب دون تصوير واستعراض ودون أن يعلم بهم أحد، لأن في كثير من صدقاتهم الاستعراضية وتصوير الموائد ألحقت الأذى بشعورالايتام والفقراء والمساكين والأرامل، ولا أدل على ذلك ما تناوله الاعلام قبل عدة أيام  ليتيمة رفضت أن يلتق لها صورة على مائدة اتسمت بالرياء والمَن، وهي محقة لأن كرامتها عند الله أكرم منا جميعا.

يبدو في نهاية المطاف أن العادة اصبحت اقوى من العبادة، الأمر الذي استدعاني في هذا المقام توجيه سؤال لنا جميعا نحن كفلسطينيين، كيف يمكن لنا مقاومة صفقة القرن التي ستنطلق رياحها من المنامة في البحرين، ونحن لا نحسن التعامل مع الشعور القومي للأيتام والفقراء والأرامل ولا نحسن مقاومة ملئ الكروش في ظل رمي والقاء الاطنان من بقايا الطعام في حاوية النفايات وهناك من بني جلدتنا من يبحث عنها في تلك الأماكن!!!

والله من وراء القصد.