• 24 حزيران 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : داود كُتّاب *

 

يبدو أن الورشة الاقتصادية المسماة "سلام للازدهار" التي تنوي إدارة ترامب إطلاقها الثلاثاء في العاصمة البحرينية المنامة ستكون فاشلة ودون فائدة. الورشة وحسب برنامجها المعلن تهدف إلى "فك قيود التطور الاقتصادي والاستثمار في الضفة الغربية وغزة والمنطقة." ولكن في الحقيقية فإن الورشة تبدو عمل هواة يهدف إلى إعادة صياغة خطط السلام الاقتصادية الإسرائيلية الفاشلة ولن يكون أكثر من حفل لالتقاط الصور لرجال أعمال خليجيين يتناقشون مع مدراء شركات أمريكية.

كان واضحاً منذ البداية أن الورشة ستفشل.  فقد قام مسؤولون ورجال أعمال فلسطينيون بإصدار بيان يوضح أسباب عدم المشاركة فيها ورفض إطارها. كما من غير المتوقع أن يحضر الورشة مسؤولون إسرائيليون. طبعاً اللقاء حول مستقبل فلسطين بدون فلسطينيين أو مسؤولين إسرائيليين يشبه الذهاب إلى عرس بغياب العروس والعريس. كان من الأفضل للإدارة الأمريكية أن تلغي أو تجمد اللقاء، ولكن كما هو معروف عنها، قررت الإدارة رفض تلك الأفكار الحكيمة والاستمرار في النشاط.

بعد سنتين من العمل والتحضير السري فإن أول نشاط علني حول الرؤية الأمريكية للسلام يبد غير مهني، سيء الترتيب وسيتم نسيانه بسرعة 

فبعض تفاصيل النشاط التي تبينت تعكس تخطيط ضعيف وعدم فهم الوضع في المنطقة. فحسب مسودة برنامج الورشة والتي تستضيفها البحرين بالشراكة مع الولايات المتحدة فإن أول نشاط هو حفل ‘كوكتيل’ في دولة خليجية يعتبر شرب الخمر فيها في العلن غير محبذ.

كما تبين من تفاصيل البرنامج المتوفر أن ذكر الشعب الفلسطيني نادر  وتتم الإشارة إليه ب "السكان" أو "القاطنين" الفلسطينيين بدلاً من " الشعب الفلسطيني"، وفي ذلك رسالة سياسية واضحة.

الأكثر إزعاجاً هو سذاجة فريق ترامب في محاولة مكشوفة لإعادة صياغة خطط بنيامين نتنياهو الفاشلة حول السلام الاقتصادي. فدعم مسار الاقتصاد على حساب المسار السياسي يهدف إلى تقديم فوائد لرجال الأعمال الأمريكان والإسرائيليين على حساب حاجات الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

إن خطط إدارة ترامب للاستثمار وضعت هدفاً يصل إلى 68 مليار دولار. بينما من الممكن تطبيق خطة لدعم الاقتصاد الفلسطيني دون أي تكلفة وذلك من خلال رفع القيود الإسرائيلية على الفلسطينيين. فدراسات البنك الدولي أوضحت أن ما يعيق انطلاق الازدهار لفلسطين ليس غياب الاستثمار بل هو التقييدات الإسرائيلية على الفلسطينيين وخاصة تحديد تنقل الناس والبضائع  بحرية وسلاسة.

فالتحرك السلمي الذي انطلق في واشنطن عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والذي صدر عنه اتفاق المبادئ شمل فيما شمل طريق آمن بين غزة والضفة الغربية. ولكن هذا لم يحدث. ففتح المسار كان سيحرك الاقتصاد والأهم من ذلك كان سيعطي للشعب املا

لكن ما تم هو حرمان الشعب الفلسطيني الاستفادة من حوالي 60% من مناطق الضفة الغربية المصنفة مناطق "ج" حيث السيطرة الكاملة لإسرائيل، والتي كان من المفروض نقلها للفلسطينيين في نهاية  المرحلة الانتقالية التي كان مفروضا ألا تتجاوز الخمس سنوات التي انتهت قبل نهاية القرن. لكن تلك الفترة المؤقتة تحولت إلى ربع قرن وبدون أية نهاية منظورة.

البنى التحتية - وهي أساس أي خطة اقتصادية - كالمطار والميناء، تمنع إسرائيل إقامتها.  كما يتم منع الفلسطينيين من التنقيب عن النفط في الضفة أو عن الغاز من شواطئ غزة. يتاح للفلسطينيين شراء الماء من إسرائيل رغم أنها تضخها من آبار تحتية فلسطينية في الوقت الذي تتوفرالمياه بكميات كبيرة للمستوطنين اليهود. 

قطاع الاتصالات الذي يعتبر عنصر أساسي في تطور الاقتصاد محدد بإجراءات إسرائيلية مشددة. فرغم وجود المعدات لسنوات في مخازن إسرائيلية، إلا أن إسرائيل سمحت باستخدام الجيل الثالث  فقط للهواتف الخلوية في الضفة عام 2018 ولم تسمح استخدام المعدات لنفس الجيل في غزة. أما الجيل الرابع فممنوع في الضفة والقطاع.

إذا  كان هدف ورشة البحرين اقتصادية فهناك طريق أسهل بكثير للتقدم. يمكن لإدارة ترامب أن تضغط على إسرائيل لرفع القيود التي تسمح بتنقل الناس والبضائع وهو الأمر الذي سيحسن الاقتصاد ويوفر الازدهار.

إن التوجه لحلول مبنية على الواقع ستكون لها الفرص الأكبر لتحسين الاقتصاد الفلسطيني وتوفر فرص للنقاش في المسار السياسي. طبعا ذلك يتطلب من إدارة ترامب  التفاعل بصورة صادقة مع القيادة الفلسطينية دون المحاولات الجارية حاليا لتجاوزهم. هذا، مع إعادة فتح مكتب الممثلية الفلسطينية في واشنطن المغلق منذ أيلول- سبتمبر 2018، ستكون خطوات في الاتجاه الصحيح لإعادة الحوار. الحوار المطلوب يجب أن يهدف إلى الاستماع إلى كافة الأطراف ومساعدتهم في إيجاد حل سلمي يجلب حرية طويلة الأمد وازدهار لفلسطين.

 *  الواشنطن بوست