• 13 تموز 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

انعقد في واشنطن في الثامن من الشهر الحالي المؤتمر السنوي لمنظمة " مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل " كان من بين المتحثين أمامه بيبي نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ومايك بينس نائب الرئيس الأمريكي ومايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية.

ومن أبرز ما قاله مايك بينس أمام المؤتمر هو " نحن نقف اليوم مع إسرائيل لأن قضيتها هي قضيتنا و وقيمها هي قيمنا ، ومعركتها هي معركتنا . نحن نقف مع إسرائيل لأننا نؤمن بأن الحق يعلو على الباطل ، والحسن يعلو على الشرير ، والحرية تعلو على الاستبداد."

وإذا ترجمنا هذه الأقوال وأسقطناها على واقعنا فإنها تعني أن استمرار الاحتلال والاستيطان والتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية هو قضية أمريكا كما هو قضية إسرائيل ، وأن قيم الغطرسة والعنجهية والعنصرية الإسرائيلية هي قيم أمريكية ، وأن معركة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ومحاولة كسر إرادته وقمعه وإخماد جذوة روحه الوطنية ونضاله هي أيضا معركة أمريكا ، وأن أمريكا تقف الى جانب اسرائيل لأنها تؤمن بأن إسرائيل هي الحق وأن الفلسطينيين هم الباطل وأن الحق سيعلو على الباطل ، وأن إسرائيل هي الجانب الحسن والفلسطينيين هم الجانب الشرير وأن الحسن سينتصر على الشرير وأن الحرية التي تمثلها إسرائيل ستعلو على الإستبداد الذي يمثله الفلسطينيون !!

وعلى أية حال فإن علينا أولا ً وقبل كل شيء أن لا نستغرب من أقوال بينس وأن نحاول أن نفهم لماذا تصدر عنه وما خلفية ذلك وأسبابه.

ولد بينس لعائلة كاثوليكية من أصل إيرلندي مؤيدة للحزب الديمقراطي وظل كذلك حتى دخل الكلية وهناك تبنى فكرة " المسيحي المولود من جديد " وتحول الى البروتستانت رغم معارضة أسرته وخاصة والدته وأصبح يتخذ منحى ً دينيا ً متطرفا ً يؤمن بأن عليه تجسيد روح الكتاب المقدس والعمل من أجل العودة الثانية للمسيح الذي سيقيم المملكة المسيحية. 

وقد عبر عن ذلك في حفل تنصيب الرئيس ترمب وتنصيب بينس نائبا له. فقد أصر بينس على أن يؤدي اليمين الدستوري على الإنجيل الخاص به والذي أحضره معه من المنزل وقال أنه يفتحه ويقرأ فيه كل يوم ، كما أنه قال في خطاب تنصيبه : " أنا مسيحي أولا ، ومحافظ ثانيا ً ، وجمهوري ثالثا ً ". أي أن مسيحيته تتقدم على أفكاره وانتمائه السياسي. 

وبينس بهذه القناعة والالتزام إنما ينضم الى ملايين المسيحيين الإفنجيلست أو الأنجليكان الذين يؤمنون بأن قيام دولة إسرائيل هو تجسيد للنبوءة المسيحية وأن عليهم بذل كل جهد وثمن من أجل دعم الحركة الصهيونية التي آمن الكثيرون منهم بأنها منذ قيامها تجسد إرادة الرب وأنها ستنتصر وتقيم دولة إسرائيل وأن هذه الدولة هي ضرورة لا بد منها كمرحلة أولى تسبق قيام المملكة المسيحية.

ومن أجل ذلك فإنه يوجد في أمريكا اليوم عدد من المنظمات والحركات والجمعيات التي تنتمي لما يسمى باليمين المسيحي وجذور هذه المنظمات والحركات ترجع الى ما قبل مئات السنين ولكن قوتها وبدء عملها بشكل منظم يرجع الى القرن السابع عشر وظل يتواجد ويزداد قوة عبر السنين حتى يومنا هذا. 

وينتمي الى هذه الجمعيات والمنظمات العديد من أبرز القيادات الدينية ورجال الدين المسيحيين ومنهم على سبيل المثال القس مارتن لوثر كينج الذي عُرف بتأييده للحركة الصهيونية وإسرائيل من منطلق ديني بحث.

ومن بين هذه المنظمات والحركات المسيحية المتطرفة المؤيدة لإسرائيل المسيحيون متحدون من أجل إسرائيل ، والصهيونية المسيحية ، والأنجليكان أصدقاء إسرائيل ، واللوبي المسيحي الاسرائيلي ، ومركز التفاهم والتعاون المسيحي اليهودي ، والسفارة المسيحية وغيرهم.

هذه المنظمات المسيحية اليمينية المتطرفة ترى أنه من أجل أن يعود المسيح للمرة الثانية ويقيم المملكة المسيحية فإنه يجب تجميع اليهود من كافة أنحاء العالم وإحضارهم الى الأرض المقدسة ويرون في الحركة الصهيونية الأداة التي ستساعدهم في تجميع اليهود وإحضارهم الى هنا. والطريف أنهم لا يريدون إحضار اليهود وانتهى الأمر وإنما يريدون إحضار اليهود وبعد حضورهم سيأتي السيد المسيح وعندها سيكون الخيار الوحيد أمام اليهود والأغيار في هذه البلاد إما اعتناق المسيحية وإنما الموت ونار جهنم !

وفي حقيقة الأمر فإن هذه المنظمات المسيحية المتطرفة تُشكل خطرا ً على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء ، فهي من جهة تدعم اضطهاد وقهر الفلسطينيين وسلب أراضيه وانتهاك حرماتهم وحقوقهم ومقدساتهم من خلال الدعم المادي والمعنوي لإسرائيل والحركة الإستيطانية ، وبالتالي تعرقل وتنسف أية فرصة لحل سياسي وتعايش بين اليهود والمسلمين ومسيحيي هذه البلاد ومن ناحية أخرى تجلب اليهود الى مسلخ قادم سيتحقق بقدوم المسيح حسب اعتقادهم.

وعلي أية حال فإن علينا أن ننظر للأمر من زاوية مختلفة.

نحن نواجه حركتين قائمتين على أساس ديني هما الحركة الصهيونية التي حولت الديانة اليهودية الى قومية وبدأت تشن حربا ً ضدنا لسلبنا وطننا وإقامة وطن لليهود على أشلائنا ، وقد بدأت هذه الحركة في أيامنا هذه بالتحول تدريجيا ً والعودة الى جذورها الدينية ونحن أمام حقيقة ثابتة وهي تحول إسرائيل تدريجيا الى دولة مشيخية دينية يهودية (دولة هلخا) ، والحركة المسيحية اليمينية التي أسلفت الحديث عنها والتي تقوم هي الأخرى على أساس وعقيدة دينية بحتة.

أما نحن في المقابل فقد ظهرت عندنا حركات دينية إسلامية هي في الأرجح مدسوسة ودخيلة على الإسلام والمسلمين أريد منها تشويه صورة الإسلام وتنفير الناس من الدين الاسلامي وتفريغ حياتهم من فكرة الدين والعقيدة الدينية التي يمكن أن تجمعهم. 

وإذا لاحظنا أن تخويف الناس من الدين بعد أن رأوا صورته "الداعشية " البشعة وتطفيشهم عنه ، يتم في نفس الآن الذي تم فيه إفشال الفكر القومي وإثبات عقمه وخيبته في جعل الناس يلتفون حوله نجد أن المصير المراد لنا هو أن نعيش في فراغ فكري (أيديولوجي) فقدنا نتيجة له ذاكرتنا الجمعية وبوصلة الحياة الجمعية وتشرذمنا الى أفراد ومجموعات هي أقرب الى العصابات ، وبدأت تحكمنا شريعة الغاب ممثلة بسطوة الفرد والعشيرة والحمولة التي استطاعت هي الأخرى أن تهيمن على الحركات السياسية الرئيسية على الساحة سواء منها الحركات الوطنية أو ما يسمى بالإسلامية وتخرجها من إطارها الفكري وتحولها الى هياكل جوفاء دون مضمون. 

نحن بحاجة للعودة الى الذات والحديث بصراحة وجرأة عن أزمة الهوية والإنتماء التي نعاني منها والبحث عن هوية وفكرة وانتماء يجمعنا ولا أظن بأن ذلك غير موجود.