• 30 تموز 2019
  • أقلام مقدسية

بقلم  : القاضي فواز ابراهيم نزار عطية

 

أيامٌ قليلة ويبدأ موسم الحج ، بحيث يؤدي الملايين من المسلمين فريضة الحج ببيت الله الحرام في بلاد الحجاز، والذي يأتي بعد استعدادات ضخمة من الحكومة السعودية لخدمة ضيوف الرحمن، وتجهيزات أيضا متعددة بدأها الحجاج منذ شهور.

ولما كان الحج مؤتمر عالمي يتلاقى فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فتنصهر الأخوة الإسلامية وتذوب في حرارتها النزعات القومية، وفي الحج يتجلى معنى الوحدة الإيمانية بين المسلمين، فربهم واحد، ونبيهم واحد، وعملهم واحد، وهدفهم واحد، فإن المساواة تتجلى في أقوى صورها، لباس واحد للغني والفقير للامير والغفير للحاكم والمحكوم، فلا تستطيع أن تفرق بينهم في الدرجات أو المنازل أو المناصب، و لا تفاضل أو تباهي في الأنساب و لا عنصرية ولا عصبية للون أو جنس أو العرق.

هذا المؤتمر الموقر الذي  يتكرر مرة كل عام ويُعْقد في الأرض المباركة بجوار الكعبة تحت شعار- أمة واحدة-  فهو تطبيقا لقوله تعالى : " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، وتكريسا لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

 وبما أن الرسالة التي تبعث على هذا التجمع العالمي تهدف لتعزيز اسمى معاني الرحمة والتكافل بين البشر، فقد أكد المولى عزوجل في محكم تنزيله: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، وقوله سبحانه وتعالى :َ " مَا أرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ".

من هذا المنطلق أدعو حجاج بيت الله الحرام من أهل فلسطين عامة وأهل القدس الخاصة، بتقوى الله العظيم أثناء سفرهم وصولا للهدف المنشود بإتمام شعائر الحج حتى الرجوع للديار سالمين غانمين.

فلا تزاحم بين الحجيج ولا تجادل ولا عتاب بين الاخوة، ولا يجوز رمي أحد بالباطل ولا اقتران للشعائر بالأعمال السياسية نتيجة التناحر بين بعض الانظمة العربية، ولا سِباب أو شتم لأي جهة، فعليكم أن تكونوا سفراء لفلسطين والقدس  بصورة  لون ملابس الاحرام "اللون الابيض" منذ لحظة الخروج من البيت حتى وصول مناطق الاحرام وحتى الحل من الإحرام و حتى الرحيل لا بل حتى الرجوع لبيوتكم.

فمعشر حجاج فلسطين عامة والقدس خاصة يقع عليكم عبء إضافي في موسم الحج بالاضافة لاتمام الركن الخامس من اركان الاسلام، وهو أن تكونوا على قلب رجل واحد، وأن تُظهروا افضل ما لديكم من التسامح والتعفف وقوة التحمل، وأن تثبتوا لجميع مسلمي العالم أنكم أهل عزة وكرامة، وأنكم الجندي الأول في الحفاظ على مقدسات المسلمين في القدس خاصة وفلسطين عامة، وأنكم على العهد والوعد لا تبديل ولا تغيير في اخلاقكم السمحة، وهذا النهج حقا سيحافظ علينا جميعا من ألسنة التشويش من بعض المزايدين من بني جلدتنا.

 إذ بطريقة تعاملكم مع حجيج ضيوف الرحمن ستثبت أنكم خير من استؤمن على القدس و فلسطين، وبأنكم شعب مازال يتمسك بالمثل الاسلامية العليا والسمحة، رغم بعض الصور المشوشة والمشوهة من تصرفات القلة القليلة من ابنائنا، ولكن الغلبة للأكثرية الصالحة.

في الختام نتضرع للعلي القدير أن يحفظكم وأن يتقبل منكم وأن يردكم للديار سالمين لا تشوبكم شائبة عند الله ثم عند الامم المجتمعة في اقدس بقعة على وجه البصيرة .