• 4 آب 2019
  • أقلام مقدسية

بقلم : المحامي زياد أبو زياد

 

بداية أقول بأنني مع حرية ممارسة الشعائر الدينية ولكنني ضد محاواة استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية.

لقد أثيرت مؤحرا ضجة في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وخاصة في الأردن ضد قيام مجموعة من اليهود المتدينين بزيارة الى مقام النبي هارون في منطقة البتراء وإقامة الطقوس الدينية والصلوات بداخل المقام الذي هو جامع اسلامي ومزار للمسلمين.

 وفي حين ضج الأردنيون ضد السماح لليهود بالصلاة في المكان اشتكى اليهود من أنه لم يُسمح لهم بأداء الصلوات كما أرادوا وأنهم تعرضوا للإهانة والمضايقات.

 وقد حاولت التحقق من شكوى اليهود الذين أدوا الصلاة هناك فوجدت أنهم تلفعوا باللباس الديني الخاص بالصلوات اليهودية ( طاليت ) وأدوا الصلاة دون إزعاج كما ظهر في أفلام الفيديو والصور التي التقطت لهم في المكان وأن السلطات الأردنية الرسمية لم تتدخل إلا بعد أن أثيرت الضجة في وسائل التواصل الإجتماعي ، وقيل بأنه لم يكن هناك قرار رسمي بالسماح لهم بدخول المقام والصلاة فيه وإنما تم السماح لهم بدخول المقام والصلاة فيه من قبل الحارس الموجود في المكان. وأصدر وزير الأوقاف والشؤون الدينية والمقدسات قرارا ً بإغلاق المقام.

ومن الطبيعي والبديهي أن يتمتع كل إنسان بحقه في ممارسة شعائره الدينية في أماكن العبادة الخاصة به ولكن ما حدث في مقام النبي هارون لا يمكن أن يُرى في معزل عن مجمل السلوك اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الشرقية للأردن لأن ذلك يندرج في إطار معتقدات دينية تم توظيفها لتحقيق أهداف وأطماع سياسية.

فنحن نعرف أن الحركة الصهيونية قامت على أساس تحويل الدين اليهودي الى قومية وادعت بأن من حق اليهود أن يعودوا الى ما يسمونه " أرض إسرائيل " وإقامة دولتهم اليهودية. ومن أجل ذلك يصر اليهود على اعتبار التوراة هي المستند الذي أعطاهم هذا الحق وهناك اليوم إدارة أمريكية تؤمن بهذا الكلام وقد قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان مؤخرا ً أن أهم سلاح تملكه إسرائيل هو أن الله يقف الى جانبها !

والحركة الصهيونية التي قامت على أساس إقامة الدولة اليهودية في أرض الميعاد "أرض إسرائيل" استنادا ً الى ما ورد في التوراة لم تكتف بذلك فقط وإنما تنشط في البحث عن أية قرائن أو دلائل على الأرض تثبت أن لليهود جذور في هذه البلاد . ومن بين هذا النشاط هو تلك الهجمة المحمومة التي يشهدها عدد من القرى والبلدات الفلسطينية مثل قبر يوسف في نابلس وكفل حارس والمسعودية والنبي صمويل وسبسطية وغيرها للاستيلاء عليها.

 وفي حين تم تحويل بعض هذه المقامات والمساجد الى كنس يهودية كليا ً أو جزئيا ً كما تم في الحرم الابراهيمي بالخليل ومسجد قرية النبي صمويل شمال القدس لا تزال المحاولات مستمرة للسيطرة على العديد من المقامات الأخرى في مختلف أنحاء الضفة الغربية لتحويلها الى كنس يهودية يتواجد فيها اليهود باستمرار وهي بمثابة أوتاد تُدق في الأراض لهدف التثبيت الدائم للصفة والتواجد اليهودي فوق هذه الأراضي.

وإذا أخذنا هذا الأمر بالاعتبار واستذكرنا أن المفهوم اليهودي التوراتي ل " أرض إسرائيل " لا يقتصر على أرض فلسطين التاريخية غربي نهر الأردن التي يعتبرها أرض إسرائيل الغربية وإنما يمتد ببصره الى شرقي الأردن باعتبارها أرض إسرائيل الشرقية فإننا عندها نستطيع أن نتصور دون مبالغة أو تضخيم حجم الأطماع اليهودية في أرض شرقي النهر ، أرض الأردن الشقيق الذي نقف نحن الفلسطينيون على ثغر من ثغوره.

لقد أدى الطمع المادي ولا أقول الحاجة المادية لحارس من حراس الأقصى أن تغاضى عن مسلكيات مريبة لمن تظاهر بأنه سائح يهوى زيارة الأقصى فأتاح لهذا السائح المجرم مايكل روهان اليهودي الاسترالي الجنسية أن يتردد بسهولة على المسجد الأقصى مما أتاح له أن يُشعل النار في منبر صلاح الدين سعيا ً نحو تدمير الأقصى وإقامة الهيكل اليهودي مكانه . وقد استذكرت هذه الحادثة حين قرأت أن حارس مقام النبي هارون هو الذي سمح لهم بدخول المقام والصلاة فيه ، والحمد لله أن الأمر توقف عند ذلك.

لا شك بأن ظاهرة البحث عن المقامات والأماكن التي يدعي اليهود أنها أماكن دينية تخصهم لا يتوقف على مقام النبي هارون الذي لا أثر فيه للنبي هارون وإنما أقيم كمقام في العهد المملوكي. وإنما تشمل البحث عن مقامات كأماكن يهودية دينية في مناطق مختلفة من الأردن من بينها وادي بن حماد قرب الكرك وأماكن في منطقة مادبا والسلط وشمال المملكة. 

الأسلم يقوم على أساس احترام الديانات الأخرى والمساواة بين الرسل والكتب السماوية وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، ولكنهم هم الذين لا يعترفون بالقرآن ولا بالإسلام وينهكون حرية المقدسات الإسلامية والمسيحية. وإذ نحن لسنا ضد ممارسة الشعائر الدينية إلا أننا لن نسمح ولن نقبل أن يكون الدين مطية لتحقيق أهداف سياسية والاعتداء على المقدسات.

ونحن في هذه الأيام نقف أمام ظاهرة خطيرة تجتاح المجتمع الاسرائيلي وهي ظاهرة تحول هذا المجتمع من مجتمع علماني الى مجتمع ديني يسعى الى إقامة الدولة الدينية المشيخية في أرض إسرائيل وتراجع القوى الصهيونية العلمانية.

 وهذا التحول الذي ستظهر معالمه بكل وضوح في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة التي ستُجري في أيلول القادم لا يشكل خطرا ً فقط على العلمانيين في إسرائيل أو الفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرائيلي وإنما على المنطقة بأسرها وفي مقدمتها الأردن الشقيق. 

ويُحسن الأردن إن أدرك ذلك مبكرا ً وعمل بمقتضاه. ولا أظن الأمر غائب عن بال المسؤولين الأردنيين ولكني أذكر من قبيل التذكير وأشيد بموقف جلالة الملك عبد الله الثاني الذي رفض قبل أيام استقبال نتنياهو في الأردن أو اللقاء به في أي مكان وتلك رسالة أردنية واضحة لكل من يريد أن يفهم ويدرك خطر تعاظم قوة اليمين في إسرائيل على المنطقة بأسرها ورفض الأردن السماح لنتنياهو استغلال العلاقة به لرفع أسهم نتنياهو وحلفائه في اليمين في الإنتخابات.