• 21 آب 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم: القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية*

 

 

بتاريخ 18/8/2019 قام وزير الامن الداخلي لسلطات الاحتلال بالقدس الشريف بمنع الأنشطة الرياضية والاجتماعية للعائلات المقدسية، بزعم أن الانشطة الرياضية التي تنظمه العائلات المقدسية بملعب برج اللقلق يأتي بتمويل من السلطة الفلسطينية، ورغم أن كل حظر ومنع لأي نشاط مقدسي في القدس الشريف له ادعاء وقصة من وزير الامن الداخلي، فأصبح واضحا ومكشوفا لكل من يعيش على تراب القدس أن هدف الاحتلال هو ابعاد الشباب المقدسي عن كل ما مفيد للجسم والعقل.

 

إذا  كان محظور على اهل القدس ممارسة حياتهم بصورة طبيعية وتكاملية وبتفاعل متزن ما بين العقل والجسد. فإن المحتل يرغب في أناس يعيشون على نحو ممنهج من البيت للعمل ومن العمل للبيت دون زيادة أو نقصان، فالرياضة فعلا تزعج المحتل لأنها عنوان الصمود والترابط  الأسري والاجتماعي بين العائلات، وتقربها من بعضها البعض في النشاطات الرياضية واهمها لعبة كرة القدم، لذلك هذا النشاط الرياضي من وجهة نظر المحتل سببا للتقارب والتآلف وهو امر لا يروق لوزير الامن الداخلي.

وللتأكيد على اسباب المنع الحقيقية المذكورة أعلاه، لا بد من وضع القارئ الكريم بصورة موقع ملعب برج اللقلق والنشاطات التي تقام على هذه البقعة الجغرافية من القدس القديمة التي تقع داخل اسوارها، حيث أن مساحة برج اللقلق حوالي ثماني دونمات، وتقع في الجهة الشمالية الشرقية للبلدة القديمة وتطل على ساحات المسجد الاقصى وعلى جبل الزيتون، وما تجدر الاشارة اليه أن المحيط لذلك الموقع الاستراتيجي خال من التواجد الاستيطاني، واهداف مركز جمعية برج اللقلق مُعلنة على الملئ منذ سنوات طوال، وتقوم على تلبية الاحتياجات المختلفة لسكان المنطقة وسكان القدس بشكل عام وسكان البلدة القديمة بشكل خاص، بحيث تم انشاء نادي رياضي للشباب، وهو أول حاجة قام بها مركز جمعية البرج ومن ثم تم إنشاء روضة الأطفال، ومكتبة علمية بالاضافة  إلى خيمة تلبي احتياجات اجتماعية وثقافية.

ومن منظور عالمي، السلطة المحتلة لم تكتفي بمخالفة الشرعية الدولية في مختلف المجالات السياسية، بل تجاوزت المدى وتحدّت الأمم المتحدة في اعلانها عن حق الافراد في ممارسة  الرياضة كحق مشروع من حقوق الإنسان، حيث ورد هذا الحق بنص صريح: (أنّ الرياضة واللعب حق من حقوق الإنسان يجب احترامها وتنفيذها في جميع أنحاء العالم، والاعتراف بها بشكل متزايد، واستخدامها كأداة منخفضة التكلفة، وعالية التأثير في الجهود الإنسانية والتنموية وبناء السلام)،  فضلا على الفوائد الصحية للرياضة التي يمكن تلخيص فوائدها بتحسين المزاج، فبمجرد الانخراط في النشاط البدني، فإنّ الدماغ يفرز مواد كيميائية تجعل الشخص يشعر بالسعادة، والراحة، وبالكثير من الاسترخاء، كما وتحسن اللياقة البدنية من خلال الدخول في تحديات رياضية جديدة ضمن فريق اللعب بإقامة علاقات اجتماعية وطيدة ضمن بيئة ترفيهية نافعة، وتساعد على الحفاظ على مستوى المهارات العقلية الرئيسية، كالتفكير، والإدراك، والتعلم، واسترجاع المعلومات، خصوصاً مع التقدم في العمر.

نعم السلطة المحتلة غير معنية بشباب مقدسي يافعا سليما من الناحيتين الجسدية والعقلية، وإنما تريد له طريق اللهو والغوص في المحرمات والممنوعات حتى يكون مشلول الارادة والتفكير، وبعيدا عن اي تواصل اجتماعي، لأن هذا التواصل حتما سيعيد ذاكرة الشباب وسيُحي ارادة التمركز والرباط في القدس وسيمنع من تنفيذ مخطاطات التهويد.

نعم العقل السليم في الجسم السليم، وهذه الجملة التي يُدركها شباب أهل القدس، والتي تعني بحق أنها أكسيد الحياة، إذ يُعدّ العقل هو المسؤول عن العمليات العقلية من تعلُّم وتذكُّر وفَهم وإدارك، وهو ما لا يمكن للمحتل أن يصل اليه مادمت الارادة تتجه للحفاظ على الجسم السليم من خلال العقل السليم، وإن صدرت آلاف الاوامر لمنع النشاطات الرياضية في القدس الشريف، لأن ممارسة حق الرياضة جزء من نظام حياة شباب وأهل القدس الذي لا يخل بالنظام العام عند ممارسته للرياضة .

                                        
* قاضي المحكمة العليا الفلسطينية