• 5 أيلول 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية

 

 

صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مدينة خليل الرحمن جنوبي الضفة الغربية المحتلة التي وصلها بعد ظهر يوم الأربعاء الموافق ل4/9/2019 "جئنا إلى الخليل من أجل إعلان الإنتصار"، وأضاف "لقد اعتقدوا أنهم سيقتلعونا، لكنهم أخطأؤا خطأ مريراً، عدنا إلى الخليل، عدنا إلى الكنس والمدارسة الدينية، عدنا إلى الحرم الإبراهيمي.. هذا انتصارنا".

بغض النظر عن الشأن السياسي والدعاية الانتخابية وما بعد الدعاية التي يجهز لها رئيس الوزراء الاسرائيلي المهدد من النيابة العامة الاسرائيلية بملاحقته عن تهم فساد، وبغض النظر عن اخفاقاته وطيشه السياسي في جنوب لبنان وخوفه من شبح قطاع غزة وما يسمى بعقدة ايران، وبغض النظر عن نتائج الاستطلاع قبل الانتخابات المزمع عقدها في هذا الشهر الجاري ونسبة الحسم المطلوب تجاوزها ليتقلد سدة الحكم في حكومة الاحتلال.

بقي السؤال الاهم عن سبب توقيت الزيارة للحرم الابراهيمي من رئيسين للسلطة التنفيذية في حكومة الاحتلال، رئيس دولة الاحتلال ورئيس حكومتها مسير الاعمال ولماذا بدأت من الخليل واين ستنتهي؟

المتتبع لأقوال نتنياهو بخصوص ما ذُكر أعلاه وما اضافه "نحن نعالج أموراً أخرى في ذات الوقت، مثل كيفية الوصول إلى الحرم الإبراهيمي، واستعادة الحقوق التاريخية على الممتلكات اليهودية.....".

هذه الأقوال صدرت عنه من داخل خيمة كبيرة مكث فيها بعض الوقت واختير المكان عن قصد بجانب الأحياء العربية، لتكون هذه الزيارة حساسة جداً ولها معاني كبيرة وآثار محدقة على المستويين التاريخي والسياسي.

الإشارة الاولى التي ارسلتها السلطة المحتلة للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة، أنه انتهى عصر اوسلوا والتحضير الآن لما بعد اوسلوا ، والإشارة الثانية أن أي بقعة في فلسطين التاريخية غير محصنة ولأي مسؤول من السلطة المحتلة زيارتها دون قيد أو شرط.

طبعا اللبيب بالاشارة يفهم، فالتخطيط والدراسة والتجارب جميعها حاضرة للجانب المحتل، وحديث المسؤول في الإدارة المحتلة عن تاريخ موعد صفقة القرن والشروط والاملاءات التي ستصدر عن ادارة ترامب ما هي إلا مخططات أُعدت من السابق، وقُدم لها بالونات اختبارات عديدة وتم اطلاق عدد كبير منها، وآخر تلك البالونات زيارة مزدوجة من رئيس دولة الاحتلال ورئيس وزارئه لأكبر مدن الضفة الغربية واختيار ثان اقدس بقعة دينة في فلسطين بعد المسجد الاقصى دون ادنى احتجاج سلمي ومظاهرات سلمية في منطقة الزيارة وباقي مناطق الضفة الغربية - اللهم الاكتفاء بالتنديد والبيانات – دليل آخر على العجز والوهن للأمة العربية.

تصريحات نتنياهو حول الحق اليهودي في مدينة الخليل والعودة للمدارس والكنس اليهودية ليست بزلة لسان وليست من باب الدعاية الانتخابية، وكلماته هذه تحتاج لتحليل وتأصيل من اصحاب الاختصاص وتحتاج لساعات وساعات من الحديث والحوار.

لكن ما يعنيني في هذا المقال أن اخفاق الاحتلال لسياسات الردع على تخوم دولة فلسطين التاريخية وحقيقة هزيمته، جعل من تطبيق خطة "ب" لقمة سهلة له في هذه الظروف، حيث أن الطرف الفلسطيني الاعزل وقلة خياراته وحصاره من جميع الجوانب، دفع بالادارة المحتلة لإطلاق بالون المسجد الابراهيمي لقياس ردة فعل الشارع الفلسطيني، ليتم تحقيق الهدف الاكبر وهو زيارة المسجد الاقصى في القدس والبدأ في تطبيق التقسيم المكاني والزماني-لا قدر الله- وكالعادة سيُترك أهل القدس لوحدهم في مواجهة المصير، وهو أمر يخشاه المحتل لسبق التجارب التي  اثبتت أن في القدس رجال سلاحهم الوحيد التجمع السلمي، وأنهم حراس للمسجد الاقصى بكافة مكونات اهل القدس وأن المقدسات الدينية المسيحية والاسلامية جزء لا يتجزأ من تاريخهم ومن عقيدتهم.

وأخيرا فهم أهل القدس اللعبة واتقن شبابها قواعدها بأنه لا هجرة ولا لإعادة تجارب الآباء والأجداد في التهجير والهجرة،  فلا نكبة جديدة ولا نكسة حديثة، فالجميع ثابت مرابط صامد والجميع للقدس فداء.