• 12 تشرين أول 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : القاضي فواز ابراهيم نزار عطية

 

 مما لا ريب فيه أن الأمثال الشعبية وكل الموروثات الثقافية وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، فتناقل الاجيال الخبرات والتجارب المنجزة للأباء والأجداد جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية الوطنية، تلك التجارب والخبرات تم ترجمتها عبر اللغة بما يُلخص قصص التجارب وواقع الحياة للناس .

كثيراً ما نردد عبارة: "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"، التي تفيد قيمة الشيء أو الشخص الغائب في ساعة الحاجة الماسة إليه، حيث كان الغائب يسد تلك الثغرة بكفاءة واقتدار حيث قال أبي فراس الحمداني" :سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"

رجلٌ ولد في تكريت بالعراق ودُفن في قلعة دمشق ثم نُقل جثمانه إلي ضريح بجوار الجامع الأموي في دمشق، ومابين الميلاد والرحيل تاريخ ينبض بالحياة حتى اللحظة، هوالناصر صلاح الدين الأيوبي الذي توفي في 4 آذار سنة 1193م، أسترجع زمانه عندما وحّد الأمة وركّز دعائمها وحصن بيتوت العبادة فيها وجمع أهلها جميعا على كلمة واحدة، آملا أن نجد يوماً من يقود العرب نحو نصر مظفر ووحدة بعد تشرذم واقتتال.

برحيل صلاح الدين رحمه الله شُغِر موقعه، فعاد الاقتتال والتشرذم، حتى هيأ الله رجلا قائدا عظيما رحيما فتح القسطنطينية لقب ب "محمد الفاتح"، فقاد جيشه نحو الظفر والفتوحات التي تلتها اوجه الانتصارات، ووجه ذات الرسالة لمن خلفه، مفادها أن أرض العرب والقدس ليست طوع أمر الغاصبين طالما وُجد قائد مظفر إسمه صلاح الدين حيث سار على نهجه سائر حكام بني عثمان.

في هذه الأيام بلاد العرب لايفارقها السواد حزنا علي ضياع القدس، وغياب من يوحد كلمة العرب، فمن يقدر على حمل راية صلاح الدين، في زمان طال وهن الأمة وإنكسارها وتفرقها، من سوف يحمل لواء صلاح الدين ويرفع الألم والعناء والشقاء عن كاهل العرب والمسلمين، فهل ستتحقق النبؤة في زماننا وتعود القدس حاضرة للعرب يُصلي في مسجدها الأقصى بلا قيد أو شرط، أم أن الصبر المرير لواقع أليم سيكون سيد الموقف لأزمنة طويلة تترجم واقعا لايمكن انجاب من هو من نسل صلاح الدين في هذه الأيام .

قد تستمر المواجع إلى أن يأذن الله بالفتح والتحرير بعد خلع ثوب الوهن، لكن حتى تظهر تلك اللحظة، وجدت من المناسب بزمان للتذكير بهذا القائد العظيم، وبحتمية التوحد في وجه الطامعين صونا لأرض العرب وهيبة لأرض القدس الشريف، التي صارت مرتعاً للطامعين في مشاهد أليمة تؤكد بأن العرب ما زالوا في سبات عميق.

لذلك أصدق ماكُتب عن صلاح الدين في ثنايا قصيدة نزار قباني الشهيرة التي يقول في مطلعها:-


زمانك بستان وعصرك أخضر..... وذكراك عصفور من القلب ينقر
دخلت علي تاريخنا ذات ليلة........ فرائحة التاريخ مسك وعنبر
وكنت فكانت في الحقول سنابل .....وكانت عصافير وكان صنوبر
...............ويختتمها بأبيات تحمل مرارة لاتفارق حيث يقول:-
أيا فارسا أشكو إليه مواجعي .........ومثلي له عذر ومثلك يعذر
أنا شجر الأحزان أنزف دائما ....وفي الثلج والأنوار أعطي وأثمر
وأصرخ ياارض المروءات احبلي..... لعل صلاحا ثانيا سوف يظهر