• 24 تشرين أول 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : داود كُتّاب

 

خلقت الثورة الرقمية فجوة كبيرة في المنظومة الإعلامية. بين كبار المؤسسات الإعلامية ومجموعة كبيرة من المنصات الإعلامية. فمن ناحية وفرت الثورة الرقمية إمكانية لأي شخص أن يصبح ناشرا، وقد خلق ذلك كمّا كبيرا جداً من المنصات الإعلامية والتي تفتقد غالبيتها للمهنية الإعلامية. وفي ذات الوقت استولت المنصات الرقمية الجديدة على السواد الأكبر من دخل الإعلانات حيث أصبح ما يقارب من 90% من الإعلانات  العالمية وحتى المحلية منها والتي تنشر على مواقع رقمية ضخمة مثل فيسبوك وجوجل ويوتيوب.

وفي صراع البقاء الذي فرضته هذه الأمور أخذ إعلام الإثارة دوراً أكبر بكثير للعديد من الأسباب منها غياب المحرر المهني وسباق الأخبار السريعة. وفي هذا المضمار أصبح من الضرورة أن نتجاوز إعلام الإثارة والعمل في مجال تكاملي يشمل عدم الاكتفاء بالكشف عن الأمور، إذ أن هناك ضرورة إلى توفير خيارات لحلول منطقية للمشكلة مع أهمية توضيح آثار تلك الحلول من كافة الزوايا.

في هذه التخبط الإعلامي يخرج علينا أسلوب إعلامي جديد جاء نتيجة التغييرات في الملكية الإعلامية ونوعية المضمون الإعلامي.  صحافة الحلول المجتمعية تأتي في الوقت المناسب لوضع إطار مؤسساتي وفكري لأمور نفكر بها ونعمل على تحقيقها. تقول الناشطة الحقوقية والوزيرة السابقة أسمى خضر إنه "منذ مدة ونحن نعمل في مجال قريب لموضوع صحافة الحلول المجتمعية ولكن لم يكن لنا إطار واضح وآلية لتطبيق هذا الشكل المهم من أشكال الإعلام."

من ناحية أخرى تعتبر عطاف الروضان مديرة راديو البلد  "أننا  اليوم بأمس الحاجة لمثل هذا النوع من الإعلام لدعم جهود التنمية لتحقيق الأهداف العامة للدولة الأردنية."

تركز صحافة الحلول المجتمعية على مجموعة من المبادئ  المهنية والتي تضمن تطبيق حاجة المجتمع للمعرفة والمعلومة الصادقة والمتوازنة، وفي نفس الوقت توفر شمولية بالتغطية الإعلامية، حيث من الضروري أن لا يكتفي الإعلامي بالكشف عن المستور، بل أصبح من أساسيات العمل الصحفي ضمن أسلوب صحافة الحلول المجتمعية، توفير خيارات لحلول منطقية يمكن تطبيقها لإيجاد حل للمشكلة المشار إليها.

ويشير القائمون على فكرة صحافة الحلول المجتمعية إلى أربعة عناصر يجب أن تتوفر في أي تقرير لكي يكون ضمن هذا اللون الجديد من الإعلام.

بادئ ذي بدء، على التقرير أن يكون مرتبطا بأمور واقعية ومرتبطة بحوادث أو قضايا على الأرض وفي الطبيعة. فصحافة الحلول المجتمعية ليست مقال رأي أو "تنظير" محلل، بل هو تقرير ميداني يشير إلى مشكلة محددة موجودة على الأرض.

ومن أجل إنجاح هذا اللون الجديد من الإعلام، يوصى القائمون عليه بضرورة الاهتمام بالإنسان ونشر تقارير ذات تركيز على أشخاص ذوي علاقة بالموضوع. فكرة أنسنة الإعلام ليست أمرا جديدا ولكن كما يقول القائمون على الفكرة يجب أن نميز بين أنسنة الإعلام، وبين خلق أبطال كارتونية. فأنسنة الإعلام توفر أشخاصا لهم علاقة مباشرة بالموضوع بعيدا عن التنظير والتحليل من وراء المكاتب.

عمل صحافة الحلول المجتمعية يجب أن تكون مبدعة وتكسر المحددات المعروفة، حيث توفر ثورة المعلومات أدوات جديدة مثل صحافة البيانات ورسومات الانفوجرافيك وإمكانية ربط (هايبرلنك) مع العديد من التقارير والمعلومات لمن يرغب بذلك.

وقد يكون رابع شرط لصحافة الحلول هو أهمها، حيث يتطلب من الصحفي البحث الإضافي لخيارات متعددة لحل المشكلة التي يتمحور حولها التقرير. ويجب في هذا المضمار أن يشمل النشر حول تلك الحلول الآثار الإيجابية والسلبية للخيارات المقترحة. فقد يكون هناك آثار مالية او اجتماعية أو عشائرية يجب توضيحها لكي يعرف المجتمع ثمن التوجه لتلك الخيارات.

لا شك أن إدخال أسلوب صحافة الحلول المجتمعية يفرض نوعا جديدا من إدارة واستدامة مؤسسات الإعلام. فعلى المؤسسات الإعلامية المهتمة ومؤسسات المجتمع المدني زيادة التشبيك والتشارك لما في ذلك من مصلحة مشتركة بينهم في عصر أصبح الإعلام ركنا أساسيا لأي عمل مجتمعي. ومن الطبيعي في هذا المجال، القول إنه لا بد من العمل على  التثقيف والتدريب وزيادة عدد الإعلاميين خاصة الشباب وفي المحافظات مع ضرورة احترام المؤسسات الرسمية والخاصة في دعم صحافة الحلول بدلا من وضع العراقيل أمامها.