• 17 كانون الثاني 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلـم :  القـاضي  فواز ابراهيم نزار عطية

في القدس، يبدو أن كل شيئ مختلف متجدد متغير بعيد كل البعد عن الاستقرار والثبات النفسي الذي تنشده كل عائلة مقدسية نتيجة الظروف المفروضة على أهلها، وبالرغم من أن التغيير الذي تطمح إليه كل أسرة مقدسية محافظة منذ بزوغ كل الفجر حتى هبوط الليل نحو الأمل والحياة بإتجاه الإستقرار والعيش على نحو يضمن القيم الأخلاقية التي كانت سائدة في مجتمعنا بسمة عامة، إلا أن هذا الأمل أصبح يعيشه عدد كبير من افراد الأسرة بصورة مغايرة ومتناقضة عن الفكر الموحد للمجتمع الذي كان يتصف بالتماسك والوحدة وبكل ما هو جميل وفاضل، بالنظر لما هو مفروض على أرض الواقع من مستقبل غير واضح المعالم، في ظل العولمة وتفكك الإسرة وتلاشي بعض القيم الأخلاقية شيئا فشيئا.

ما لفت انتباهي في الآونة الأخيرة وما سمعته من بعض الشابات والشباب المقبلين على الزواج لتكوين أسرة، أمر يتعلق بالمدارس وسؤالهم أين يمكن تسجيل أبناؤنا، وهو أمر بعيد كل البعد عن طموح امتلاك شقة وسيارة، فأصبح جُلَّ تفكيرهم كيف يُمكن إلحاق أبناء المستقبل في مدارس تنعم بسمعة طيبة في القدس بمختلف المجالات.

وكأن أهل القدس مع موعد جديد ضمن سلسلة المعاناة التي يعيشونها، مستقبل مجهول لحدث لم يقع بعد، الهاجس والشغل الشاغل هو التعليم الصحي لأبناء لم يأتوا بعد، وأشدد على مصطلح التعليم الصحي الذي يشمل الناحيتين:الأكاديمية والبيئة الصحية لمكونات التعليم بما يضمن الأمن والأمان للطالبات والطلاب الذين يسعون لنيل أبسط الحقوق اللصيقة بهم وفي مقدمتها التعليم الصحي بعيدا عن التسرب والهروب من المدارس، وبعيدا كل البعد عن الإنحراف والضلال والانغماس في وحل المخدرات والشذوذ الذي أصبح يتفاخر به بعض الطلاب تحت مسمى الحرية.

النموذج التعليمي الذي نسعى إليه في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص، هو التعليم الصحي الخالي من كل الشوائب والآفات، بما يضمن بناء جيل وأجيال وسواعد قادرة على التحليل والتفكير، سواعد قادرة على البناء والإنجاز للحاق بركب التقدم والازدهار العلمي والتقني في سبيل خدمة القضية بما يؤدي لنيل الحقوق وتقرير المصير.

 في القدس ومن القدس يجب أن تروى الحكاية، بل يجب أن تستمر ليكون عبق تاريخها فوّاحا مميزا عن سائر مدن العالم، نظرا لما تتمتع به من اهمية عالمية لقدسيتها وتاريخها العريق.

 دون التقليل من شأن ودور مدارسنا التربوي والتعليمي وتفوق بعضها وشدة المنافسة المشروعة في تقديم ما هو الأفضل للطلاب، وكنتيجة لما يتحقق سنويا من نتائج مبهرة لعدد كثير من الطلاب في القدس بعد دراسة استمرت اثنا عشر عاما، لازلنا نبحث عن الافضل على جميع الأصعدة .

وغني عن البيان أن في القدس مرجعيتان رئيسيتان فلسطينية وإسرائيلية: الأولى: تشرف عليها وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية وتشكل ما نسبته تقريبا 47% من قطاع التعليم، بحيث تشمل مدارس الأوقاف العامة بنسبة 14% والمدارس الأهلية والخاصة بنسبة 31%، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بنسبة 2%،أما المرجعية الثانية: فتشرف عليها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية القدس وتشكل ما نسبته 53% من مجمل قطاع التعليم في القدس.

ورغم كل محاولات الاحتلال في تغييرالمناهج، والضغط على المدارس التي تشرف عليها وزارة التعليم الفلسطينية بشتى وسائل الترغيب والترهيب، بقيت تلك المدارس صامدة بوجه ريح عاتية، مما ينبغي شُكر اداراتها جميعا على ما حققته من صمود وثبات سيسطر بماء الذهب على أسوار القدس.

وعودة على بدء، فإن الحديث عن الصمود في مواجهة الاحتلال ومنع تهويد المنهاج التعليمي والتربوي، لا يقل أهمية وشأنا للحديث عن الأخلاق والقيم التي بدأت تتلاشى لدى بعض الطلاب في مختلف مدارس الوطن بما في ذلك القدس، نسمع ونشاهد كل يوم أحداثا وقصصا يشيب منها الولدان، يدور الحديث اليوم عن الفواحش والفسوق والعصيان لكل القيم الاخلاقية التى تتنافى مع اصول ورسالة التربية والتعلم، مما رسات لا اخلاقية تحدث بين الطلبة بصورة مهولة، تنبأ عن الدمار الاخلاقي الذي بدء يعشش في مجتمعاتنا - مفاهيم لا اخلاقية أصبحت محلا للتطبيق وللأسف الشديد بين بعض فئات الطالبات والطلاب من جيل 11-18 في عصر الانفتاح والعولمة أم عصر الفلتان والوباء والتقزم الاخلاقي، جميعها  نتيجة غياب دور الاسرة - دور الام والاب - في التوجيه ومتابعة شؤون اولادهم لأسباب عديدة لا مجال لحصرها في هذا المقال، فضلا على انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر الشبكة العنكبوتية الدولية على اجهزة النقال المتوفرة بين أيدي الطلاب والطالبات دون مراقبة من الاهل وتوجيهاتهم التربوية التي يجب أن تنبع من فطرة سليمة، و في متابعة ما ينفعهم لا ما يقودهم إلى الهاوية والدمار، تلك الوسيلة المتوفرة بصورة ميسرة قليلة التكلفة، وكأن الأمر ممنهج ليساعد على التخلي عن القيم والاخلاق.

نعم يُشهد لبعض المدارس في القدس بالسمعة الطيبة في المجالين التربوي و التعليمي، لكن لا تخلو تلك المدارس كذلك من بداية الإنحطاط الأخلاقي في صفوف بعض طلابها، ولا تتحمل نتائجه البتة، لكن نحتاج لتوصيف المشكلة ومعالجتها بدواء العفة والشرف والأخلاق.

فربط التعليم بمناهج ونشاطات وفعاليات ترفيهية وتوفير بيئة ملائمة لها، ضمن خطط مدروسة وتطبيقها من الطلاب والطالبات خارج المنهاج المقرر وبأوقات مختلفة، حقا سيساعد على صقل شخصية فريدة ومتنوعة للطالبة والطالب، لكن يجب أن يكون من أولى أولويات جميع المدارس في فلسطين والقدس خاصة وضع مناهج ونشاطات مكثفة تتعلق بالاخلاق والقيم الانسانية الحميدة قبل فوات الآوان.

فالدارسة والشرح والحفظ واكتساب العلم من المعلمة أو المعلم مهم وفي غاية الأهمية، لكن لا يستقيم تحقق التحصيل العلمي في بيئة مشوهة من بعض العناصر الطلابية – ولله الحمد فهي قليلة -  التي تحاول بث سموم وافكار خارجة عن معتقداتنا وقيمنا.

آن الأوان لمدارسنا العريقة في القدس بنصب الخطط المُحكمة لتفريغ الطاقة السلبية من بعض الطلاب السلبيين، وتحذير وتوجيه الغالبية العظمى من الطلاب الذين مازالوا يتمسكون بروح وفكر الفضائل الحميدة بما يسمح في اكتساب التعليم في بيئة آمنة.

 وبالتالي توفير بيئة حاضنة لجميع وسائل التعليم الصحي بالتوازي مع الترويح عن النفس للطالبات والطلاب، وبإدارة تمتاز بالحكمة والصلابة في المتابعة لكل صغيرة وكبيرة، وبما يضمن المتابعة الشخصية للطالبة والطالب وبصورة لا تقل أهمية بالمتابعة مع الأهل عن كل حالة شاذة ومعالجتها بالطرق التربوية الحديثة، سيجعل من مدارس القدس في المقدمة على المستووين التربوي الأخلاقي والتعليمي، الأمر الذي سيجعل من بناء الانسان العربي الفلسطيني سمة وسمعة لمدارس القدس بما يحقق الرسالة التربوية والتعليمية لكل مدرسة،  مما سيزيد من إشعال المنافسة المشروعة بين المدارس في سبيل استيعاب العدد المطلوب وبالمواصفات التي يفتخر بها الأباء والامهات والطلاب وإدارة المدرسة.

هذا الامر ليس بحلم وليس بمعجزة، حيث يمكن ذلك وبكل سهولة ويُسر، لتفويت الفرصة على كل متربص بالقدس وأهلها، حيث يجب علينا جميعا القيام بوأد بعض الآفات الضارة التي تبناها بعض الطلبة لتقويم اعوجاجهم، بما يضمن لهم مستقبل آمن، إن خلُصت النية من طرفين عزيزين وهما الوالدين وإدارة المدرسة لمحاربة الضلال والفلتان الأخلاقي بهدوء وصمت لنرى النتائج الإيجابية قريبا إن شاء الله  الذي بيده التوفيق.