• 11 حزيران 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  عماد شقور

أتابع منذ سنين كاتبا إسرائيليا هو عوفِر أديرات، محرر الشؤون التاريخية في جريدة «هآرتس» منذ سنة 2012، وعضو في مجموعة إسرائيلية تطلق على نفسها اسم «انتقام الأرشيف»، المتخصصة في نبش المحفوظات، ونشر ما تختاره من وثائق عن أحداث ووقائع محرجة لصاحب (أو اصحاب) العلاقة.
ما نشره أديرات في هآرتس يوم 25 أيار/مايو الماضي، لفت انتباهي، ليس لطرافته فقط، وانما لما تضمنه، وأكثر من ذلك: لما أوحى به في ما يخص المستقبل.
ومناسبة نشر ذلك التحقيق الصحافي، هو وفاة امرأة يهودية من تل أبيب، اسمها هيلا غيلوتس، عن عمر يناهز 106 سنين، حيث ولدت سنة 1914، واشتهرت لأنها كانت الطفلة في سن السابعة، التي تم اختيارها لتقدم باقة ورد الترحيب لوزير المستعمرات البريطاني في حينه، وينستون تشرشل، الذي قام برحلته الأولى الى فلسطين، في آذار/مارس 1921، بعد أشهر من قرار «عصبة الأُمم» (النسخة الاولى من «هيئة الامم المتحدة» الحالية)، وضع فلسطين تحت الانتداب/الاستعمار البريطاني، وتكليفه بتنفيذ «وعد بلفور».
بعد أن وصل تشرشل الى مدينة يافا، لبّى دعوة من اول رئيس لبلدية تل أبيب، مئير ديزنغوف، لزيارته في بيته في شارع روتشيلد في المدينة العبرية الأولى (قيد الإنشاء) في فلسطين، (وهو البيت الذي سمي لاحقا «قاعة الاستقلال»، حيث تم فيه عقد الاجتماع الذي أعلن فيه دافيد بن غوريون، أول رئيس لحكومة إسرائيل، إقامة «دولة إسرائيل»). وكان قد بدأ العمل على إقامة تل أبيب سنة 1909، لتكون حيّاً عصريا في المدينة الفلسطينية العربية يافا، التي تعتبر ثاني أو ثالث أقدم مدينة في العالم، بعد مدينة أريحا الفلسطينية التي احتفلت قبل عشر سنوات بمرور عشرة آلاف سنة على انشائها.

تحضيرا لاستقبال تشرشل، تم تزيين شوارع تل أبيب بالأعلام والسجاد والزهور، كما قرر (المسؤولون الصهاينة عن التحضير للاستقبال)، تزيين الطريق الى منزل ديزنغوف بالأشجار.. «لكن، ونظرا لعدم وجود وقت كافٍ للزراعة، فقد قام هؤلاء بقطع عدد من أشجار السرو والصنوبر من حرش (أسموه) «حرش مكفيه يسرائيل» شرق يافا، جنوب طريق يافا ـ القدس، وغرز (وليس غرس) جذوع تلك الأشجار في الأرض الرملية قرب منزل ديزنغوف، ومع اقتراب سيارة تشرشل من المنزل، وبدء عزف الموسيقى، احتشد المستقبلون وتدافعوا، فسقطت أشجار السرو والصنوبر، وبانت جذوعها المقطوعة، فانفجر تشرشل ضاحكاً، وهمس في أُذن مضيفه: «مِستِر ديزغوف، بدون جذور.. لن ينمو شيءٌ هنا»، وذلك طبقاً لما في أرشيف مدينة تل أبيب، وما هو مثبت بالنص الحرفي في موقع بلدية تل ابيب الإلكتروني، كما يقول الكاتب الصحافي أديرات. ولكنه يلحق بذلك توضيحا هامشيا جزئيا، حيث ينقل عن الباحث والمحقق في تاريخ تل ابيب، ايلان شَحوري، أنه سمع من العجوز تهيلا غيلوتس، التي كانت طفلة في ذلك التاريخ، أنها هي من كانت السبب في هذه «الفضيحة»، حسب تعبيرها، حيث شعرت بالملل بعد دقائق من بدء تشرشل بالقاء خطابه باللغة الانكليزية، فانسحبت من قربه وذهبت لتقف قرب واحدة من «الأشجار»، وما ان اتّكأت عليها حتى سقطت، وعندما رآها تشرشل، ضحك وأسرّ بعض الكلمات في أُذن ديزنغوف.
إسرائيل مشروع استعماري غربي (أوروبي وأمريكي) ناجح جداً، ولكنها دولة بلا مستقبل، و«بلغة» تشرشل: «بدون جذور.. لن ينمو شيء هنا»، أو «بلغة» السياسي والكاتب والروائي الفلسطيني الراحل، إميل حبيبي: «هاي الدولة.. مش بنت مْعيشة».

 القدس العربي