• 23 حزيران 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : ارشد هورموزلو

 

النصيحة والتحذير فن قائم بذلته. فمن يقوم بالنصح ومن يستمع الى النصح يجب أن تتوفر فيهما المقومات المطلوبة. ولكن لماذا يلجأ الفرد أحيانا الى ابداء النصيحة؟ الإجابة هنا تكمن بالتأكيد في عدم رضاه عن موقف أو أسلوب أو خط في الحياة وتفكيره بأن تبديل ذلك وتقويمه سيكون الأفضل. 

ولكن الجميع يعلمون بأن الحقيقة عامل نسبي. فمن يعتقد في قرارة نفسه بأنه على الحق يمكن أن يعتبر موقفه من الطرف الآخر باعتباره خطأ ومبالغة في الوصف، ولما لم تكن هناك هيئة تحكيمية في مثل هذا النقاش فان من الواجب الاحتكام الى ثوابت المجتمع وقبوله ببعض المسلمات. 

ولما كان الأمر كذلك فان من لا يلتقون في المبادئ والمسلمات لا يمكن لهم أن يشخّصوا الحقيقة المجردة كما يراه الكل. وإذا تصادف اعتباطا انضمامهم الى الاخرين في فهم الحقيقة فذلك كمثل الساعة المتوقفة التي تشير الى الوقت الصحيح مرتين في اليوم الواحد. ومن هذا المنطلق فإن الناصح ومن يستمع الى النصح يجب أن ينظرا الى الموضوع من هذه الزاوية. 

إن الشخص الذي يود التحذير والنصح يجب أن يعتريه الأمل قبل كل شيء بأن من يخاطبه مقتنع بنفس الثوابت الأساسية والا فسوف لن يكون هناك نفع من المحادثة وسيكون الأمر كمن يطرق الماء بالمطرقة. 

في أيام طفولتنا كنا نرى أن أحد أعمامنا المسنّين لا ينجحون في أي شأن يمدون اليه اليد بالمحاولة، وأن مسيرة حياته مليئة بالفشل والإحباط وأن الجميع يرون أن الحظ يجانبه في كل أمر. ولكنني سمعت بعد سنين مقولة أدركت من ورائها سبب هذا الموقف وأبعاده مما لقنني درسا. 

يقال إن الشيخ المذكور كان في أيام طفولته مشرّد الذهن لا يولي دراسته أهمية واعتناء ويغيب عن صفوف الدراسة بشكل متكرر. راجع كبار القرية امام المسجد ليرجونه أن ينصح هذا الشاب اليافع وأن يوجهّه الى الطريق القويم. 

يقال إن امام المسجد جلس الى الشاب يتحدث معه مطولا عن مزايا التعليم وسير الحياة ووجوب العمل بجد اثناء الصغر لنيل المكاسب في الكبر، وأنه إن لم يفعل ذلك فسوف يتأخر عن زملائه وأقرانه وأنه سيخسر الكثير من الفرص التي تدق بابه مرة واحدة فقط.

استرسل امام المسجد في حديثه بحماس الى أن قاطعه الشاب متسائلا بهدوء: شيخي، سقف منزل من هذا الذي وقف عليه هذا الطائر الكبير؟ 

يقال إن الشيخ قد قطع فورا كلامه العذب قائلا: يكفي يا بني، إنني اعلم الآن يقينا بأنك سوف لن تفلح في مسيرتك اطلاقا، فانت لم تتجشم عناء الانصات اليّ كما أرى. 

هذا هو بالضبط ما نريد قوله. فقد يظهر أن أحدا ما يلقي اليك اذانا صاغية لمجرد موجبات التربية العائلية أو لصلة ما، ولكنه في الحقيقة لا يستمع اليك وأن باله مشغول في أمور أخرى لا تمت الى ما تحدثه عنه بصلة. فهل ترون أن التحدث الى مثل هذا الشخص يجدي نفعا؟ 

في مقابل ذلك فان من الواضح أن النصح يجب أن يكون مواكبا لأصول الحديث ومبادئه بحيث لا يكون عنيفا، ساخطا، يسيء الى نفسية الشخص المقابل، والا فان النصح ينقلب الى شجار، ومن الواضح أن أيا منا لا يرى الشجار واستعمال القوة أمرا مفيدا عندما يتعلق الأمر بتصحيح المسار والنفع العام. 

إن النصح يجب أن يوجّه لمن يعتقد المرء أن من يستمع اليه يشاطره الفكر والثوابت المعتادة، فمجتمع يود أن يرى الصواب وليس الأخطاء لا يخسر وقته في التوجه الى من لا يشاطره الأمل والمبدأ والثوابت لنصح أو إرشاد سوف لن يكون له الوقع المطلوب. 

إذا توقفنا لحظة لنتطلع الى الماضي القريب، نرى أن مجتمعنا قد أجمع على ثوابت وقرارات معينة لم يخالف مسيرتها الا شرذمة قليلة. نضرب مثالا على ذلك عدم انخراط أي فرد منا في التوقّف عن اسناد قضايانا المركزية والتخلي عن ثوابتنا وتطلعاتنا. خذوا حنيننا إلى القدس مثالا على ذلك.