• 30 حزيران 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم القاضي المقدسي:  فواز ابراهيم نزار عطية

 

قبل ايام انتشر خبر صدور حكم عن محكمة الاستئناف الاسرائيلية بالقدس الذي قضى بتثبيت والتصديق على  الحكم القضائي الصادرعن محكمة الصلح المنعقدة  في غربي القدس، ذلك الحكم  المعروف  لدينا اهل القدس بصفقة باب الخليل التي بموجبها اجاز تمليك حق المنفعة  للعقارات المسيحية العربية الارثوذكسية  الكائنة في منطقة باب الخليل للجمعيات الاستيطانية لمدة 99 سنة، بجانب ضريحي اجدادي القائمين على التربة الصفدية وهما معلمين أثريين معروفين لنا بمرقد جدي لأبي الأعلى الشيخ ابراهيم بن محمد السافوطي بن دبوس وابنه محمد.

وقد سبق أن نشرت مقالا قبل عام من اليوم، وعلى وجه الدقة بتاريخ 14/6/2019 تحت عنوان " صفقة باب الخليل"  في صحيفة القدس ،  علما أن المقال نشر ايضا في عدد من الصحف الالكترونية، منها على سبيل المثال مدار نيوز وغيرها من المحطات المحلية والخارجية.

ومن خلال سياق المقال السابق تحدثت عن تاريخ المدينة منذ آلاف السنين، وخصصت زاوية مهمة لموقع باب الخليل الاستراتيجي على مدار 400 عام،  واوصلت المقال بالحقبة التاريخية لما كانت تعرف به المنطقة على مدار عدة قرون بمطنقة  بني حارث الممتدة من باب الخليل مع غربي السور حتى تربة مأمن الله، ومدحت اسطورة الصمود لسكان المنطقة،  وعرّفت القارئ الكريم على عدد من الاوقاف الذرية للعائلات المقدسية التي أُنشأت من اصحابها في ذلك المكان منذ مئات السنين، بما شمل كذلك اوقاف خيرية لأبناء البلد من المسيحين العرب الارثوذكس، التي جميعها كانت سدا منيعا وحصنا لا يُخرق، بما ساهمت به تلك الوقفيات بمنع تهويد منطقة باب الخليل ضمن ما تعرف به اليوم بساحة عمر بن الخطاب.

كما طالبت بتشكيل لجنة وطنية محايدة، للتحقيق في مجريات تسريب حق المنفعة لأملاك الوقف المسيحي الارثوذكسي لجهات استيطانية ، ورفع الغطاء عن كل من تآمر وساهم سواء بالتدخل المباشر أو غير المباشر وكل من سمسر وقبض  في تسريب منفعة  العقارات التابعة للوقف الخيري المسيحي الاثوذكسي العربي في منطقة باب الخليل، إلا أنه يبدو لم يرق للبعض مقالي، ولم أجد آذان صاغية لمناشدتي، وكأن الامر يغدو تدخلا غير مرحب به من مسلم مقدسي  حريص على أملاك الوقف المسيحي كحرصه على أوقاف اجداده في منطقة باب الخليل.

لست في مقام اتهام احد، ولست ممن يبحث عن شهرة أو اتخاذ مقالي هذا لإبتزاز احد، ولست في مقام ارضاء احد، وإنما واجبي الديني والقومي العربي يُلزماني بالدفاع عن القدس وحجارتها باقوى سلاح عرفته البشرية وهو سلاح القلم، فمقالي هذا ليس بتحريض أو الدعوة للخروج على احد، وانما لتسليط الضوء لما آل إليه الوضع في القدس نتيجة التآمر على سكانها وحجارتها من الداخل قبل الخارج.

آثرت أن اقتبس بعض التصريحات السابقة والتي ستكرر وبذات العبارات اليوم وغد وبعد غد، حتى نرى واقعا مريرا تطوى صفحاته لننتظر ماذا بعد وأي عقار سيكون الهدف التالي:-


"استهجنت بطريركية الروم الأرثوذوكس قرار قبول المحكمة المركزية الإسرائيلية لدعوى جماعات مستوطنين بالقضية المقامة من قبلهم ضد البطريركية الارثوذكسية بما يتعلق بفندق البترا والامبريال وبيت في منطقة المعظمية والتي عرفت بصفقة (باب الخليل).

وقالت الكنيسة في بيان لها ان "القرار المستهجن والذي اقرته المحكمة المركزية الاسرائيلية سيعطي المجال لجماعات المستوطنين حق استئجار لمدة 99 عاما، لتضم قطعة اخرى من فلسطين الى نير الاحتلال، وتسبى مرة اخرى عروبة وقدسية ارض فلسطين، وهذه المرة بسبي عقار باب الخليل".
واكدت البطريركية انها لم تتوان باتخاذ جميع الاجراءات واستنفاذ كل الجهود القضائية لإلغاء الصفقة، ولكن للأسف فإن قرار المحكمة المركزية الاسرائيلية شكل نكسة اخرى ألمت بالبطريركية ورعيتها وابناء القدس عام".

جدير بذكره في هذا المقام، أن عقارات كبيرة سُربت من السابق وشكلت لها لجان دون أثر، اكثر من ذلك  المرحوم الرئيس ياسر عرفات قُتل مسموما ونحن بانتظار نتائج التحقيق منذ 15 سنة، فهل يعقل يحدث اختراق في موضوع تسريب عقارات باب الخليل ومن سبقها، ويُفضح المستور؟؟؟

يبدو أن عرب القدس من المسيحين الارثوذكس -اقولها دون تردد وعن قصد-  لم يبلغوا سن الرشد القانوني لتمثيل كنيستهم وتعريبها، كما هو الحال مع جميع الطوائف المسيحية الاخرى، ويبدو أن تواجدهم في القدس على مرِّ السنين ومن قبل الفتح الاسلامي ب 1441 سنة وانتمائهم للغساسنة العرب الذين سكنوا وعمّروا الديار، لم يشفع لهم حتى اللحظة لإستلام زمام أمور وشؤون كنيستهم، للحفاظ على املاك اسلافهم عندما التزموا بقرار اولي الامر من البطاركة السابقين، بتسجيل عقاراتهم الخاصة ووقفها على الكنيسة الارثذوكسية وليس على ذريتهم.

أنه لمن الحماقة أن يصدّق المرؤ بيانات لا تسمن ولا تغن عن الحقيقة وصقلها في قالبها الطبيعي، بأن صفقة باب الخليل لم تكن وليدة صدفة أو مؤامرة اسرائيلية كما يطلق عليها البعض، وانما وليدة شيطنة انسان عربي واجنبي من غير الاسرائيلين باع ثوبه وشرفه في سبيل دراهم معدودة، وخان امانة الاجداد من العرب المسيحين الذي وهبوا عقاراتهم للكنيسة الارثوذكسية لخدمة ابنائهم اجيلا وراء اجيال، بإيجاد عقار يؤويهم من حر الصيف وبرد الشتاء، إذ تناسى من خان وباع  بأنه لن يأخذ درهما واحدا على قبره، حيث لن تغنيه قصوره هنا وهناك وملذات الدنيا في صحبة متعة غير شرعية، والالتحاف بلباس التقوى والورع والايمان المزيف، من أن يُسأل عن تفريطه للمقدسات وما أوتمن عليه.

من يجرؤ الحديث عن صفقة كان ثمنها تحت الطاولة خمسة اضعاف ما كان فوق الطاولة، ولماذا لم يُعمل بنصيحة المحكمة وقتئذ برد المبالغ المقبوضة من تحت الطاولة وفوقها، ولماذا لا نكون صادقين مع انفسنا بأن جمعيات الاستيطانية لا تدخل عقارا من عقارات القدس إلا بمؤامرة من القائمين على حراستها سواء أكان مسلما أم نصرانيا.

من يجرؤ الحديث عن وضع العرب من المسلمين والمسيحين الشاغلين اليوم للعقارات التي اكسى عليها الحكم القضائي الاسرائيلي حقا للجمعية الاستيطانية في التصرف في العقارات سالفة الذكر لمدة 99 سنة، من يجرؤ لتصوير المشهد بعد اليوم والاعلام الاسرائيلية سترفرف على المبان والمحلات التجارية في موقع كنا نتباه فيه بعدم وجود مستوطن واحد على مدار مئات السنوات....

من يضمن لي حق المرور والوصول بأمن وامان إلى بيت والدي رحمه الله ضمن وقف اجدادي في منطقة باب الخليل، ودون أن اتعرض لأي اذى، من يضمن لي أن أقف على مرقدي اجداي لأقرأ الفاتحة على روحهما الطاهرة دون أن يتم تغيير معالم القبرين من ومن ...

دعونا نسمي الامور بمسمياتها الحقيقية، ولابد أن نركن اليوم إلى جهة مسؤولة تحافظ على القدس واهلها وتراثها، في ظل طمس الحقيقة نتيجة استغلال بعض المتنفذين ضمن مواقعهم القيادة، ومنعت حق استجواب بطريرك القدس الحالي أو على الاقل سماع اقواله لدى الجهة المختصة باعتباره رمزا دينا!!!

دعونا نقف جميعا ضمن اطار وطني وبعمق ديني، لأخذ الدروس والعبر من لجان سبق وأن شُكلت ولم تصدر نتائجها وبياناتها منذ سنوات حتى اللحظة، بحيث زادت بعض اللجان من تصعيب الاحجية وفك رموزها للوصول للحقيقة، دعونا نأخذ بزمام المبادرة في حماية القدس وحملها على الاكتاف بمسؤولية مشتركة بين المسلمين والمسيحين من العرب بمختلف الطوائف، ليكون لنا جسم معنوي ومرجعا موحدا  فيها، من أجل الحفاظ على الوقف والتراث المقدسي بعيدا عن عالم السياسة وعالم المال.