• 4 تموز 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : ارشـد هورموزلو *

 

لا بد أن الذين قد قرأوا وأطلعوا على تاريخ الجاهلية قبل الإسلام قد مرت عليهم معلومات حول حلف الفضول. كانت من الجوانب البراقة في التاريخ وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: دعيت في الجاهلية إلى حلف انضممت إليه، لو حدث في الإسلام فإنني حتما كنت سأجيب بنفس القرار وبدون تردد. لقد كان الحدث إشارة مضيئة في التحول من الجاهلية إلى الإسلام.

فما هي حقيقة هذا الحلف وكيف ومن قبل من ولماذا تأسس؟

في قديم الزمن كانت التجارة تعتمد على المشاركات التي نطلق عليها في زمننا المشاركة في الربح والخسارة أو النظام المصرفي الإسلامي، فكان البعض ممن يمتلكون المال ولا يحسنون التجارة وتجشم عناء السفر أو لا يجدون قافلة يؤتمن إليها يودعون مالهم لدى أحد من تجار قريش الكبار متيحين له ممارسة التجارة نيابة عنهم ولقاء نسبة يجنيها الوسيط.

وقد حدث مرة أن أودع شخص كل ما يملك لدى أحد كبار القوم في قريش ولكنه لم يستطع استرداد ماله وحتى رأسماله بله الربح، وكان يجابه بعذر جديد كلما طرق باب سيد قريش المذكور إلى أن تطورت الأمور ليجابهه الشخص المذكور بأنه ليس لديه ما يعطيه له وأنه يجب أن ينسى هذا الأمر.

كان علية القوم يجلسون في يوم مشمس إلى جانب الكعبة التي كانت مسرح النقاش والحديث حتى قبل الإسلام عندما جاءهم الشخص المغبون والمغلوب على أمره صارخا: أيها الناس، هل بينكم من يحب الحق وإحقاقه ويقف إلى جانب العدل والنزاهة، وجريئا من يمكن له أن يسترجع حقي من سيد قريش؟

كانت هذه الصرخة كفيلة بأن تستل ثلاثة سيوف من أغمادها، صرخ أصحابها الثلاثة: نحن لها. ومن جميل الصدف أن أسم كل واحد منهم كان الفضل. تعاهد الثلاثة على الجهاد من أجل الحق مهما كان مصدر الظلم وأقسموا على الوقوف لنصرة المظلومين وإعادة الحقوق إلى أصحابها واشهار السيف من أجل ذلك.

دعا الفضول الثلاثة الكل للانتماء الى هذا الحلف المقدس ولذلك سمي حلفهم بحلف الفضول كناية إلى جمع اسم الفضل. وقد رأى بعض المؤرخين أن الفضول كانت تعني الحقوق في تلك الحقبة ويرجعون الاسم إلى ذلك.

توسع الحلف وانتشرت مفاهيمه بسرعة البرق للوقوف ضد الظلم وضد من يحيد عن الطريق بغض النظر عن موقعه وعشيرته ومكانته وبين الفرق بين الغني والفقير متعاهدين على استلال السيوف من أجل الحق.

استمر الحلف لفترة طويلة حتى في عهد الرسالة بل وحتى لفترات معينة من العهد الأموي وكان من أثر ذلك نقل هذه المفاهيم السامية إلى الأجيال القادمة وإلى الأولاد والأحفاد مؤكدين أن الفخر لا يحل إلا في هذا الموضع.

لا نتمالك أنفسنا من التفكير بأن زمننا هذا يحتاج بالتأكيد إلى هذا التصميم والحدة في مقارعة الظلم والاستبداد، فقد أصبحنا في زمن تعتبر فيه الاستقامة نوعا من الغباء ويصنف الكسب بطرق ملتوية نوعا من النجاح، زمن أصبح فيه البعض يرتزقون بالاستفادة من معتقدات الناس وقيمهم ولا يعاب ذلك عليهم من قبل البعض الآخرين.

لقد اختط اشقاؤنا هذا الخط السياسي دوما، ففي موقع لا يسود فيه الصدق والايثار لا يمكن التحدث عن قضية مقدسة وبصراحة فإن مثل هذا الحديث سوف لا يكون مقنعا لأن المنافع الشخصية لا تتواءم مع القضايا المصيرية، إذ أن الضمير الصادق المتجرد من الأنانية والمنافع الرخيصة يجب أن يكون البوصلة التي تحدد مسار المؤمن بقضية مقدسة، وبعكس ذلك فيجب التساؤل شخصيا عن مكمن الخطأ والبدء بجهاد النفس للتخلص من أدران الخطيئة.

إن من يؤمنون بهذه الأفكار مهما كانت مواقعهم وتطلعاتهم السياسية والاجتماعية وإن لم يتعرفوا على بعضهم يختارون الانضواء تحت مظلة الإيمان بهذه المبادئ وكأنهم قد وقعوا جميعا حلف فضول. وإلا فسوف تكون الدعوة إلى الاستقامة والتجرد من المنافع الشخصية من قبل بعض المنتفعين بمثابة الغباء السياسي والابتعاد عن الواقع وأن من يؤمنون بهذه الأفكار لا يتسايرون مع عصر التكنولوجيا الحديث والحضارة المتقدمة!

وخطورة هذا المنحى تتمثل في أن هذا الفريق من الناس هم بذاتهم محرومون من الأفكار الحديثة والنظرة الحضارية التقدمية ولا يهمهم غير تقاسم الغنائم، كما أن الخطورة لا تنحصر في ذلك بل تتعداه إلى احتمال تشجيع بعض ضعاف النفوس للانخراط في هذه المسيرة النفعية إذا لم تتم مواجهتهم بجرأة وصدق.

إن الذين يؤمنون بصدق بأفكارهم الطليعية يجب ألا يندرجوا تحت مظلة عشاق الطيور والزهور وافراد الجمعيات المعنية بهذه الأمور بل بكونهم أعضاء محترمين في حلف الفضول.

ومن الطبيعي أن كل امرأ يختار موقعه وتوجهه الشخصي بحرية واقتناع، ولكن المؤمنون بهذه الأفكار لا بد أنهم يتنفسون نفس الهواء ويحددون مسيرتهم الجديرة بالاحترام بينما يتخلف الآخرون راضين بالعيش وهم يقتاتون على الفتات معتبرين أنفسهم من القادة والطليعيين، ومما يؤسف له أنهم يستطيعون أحيانا اقناع من هم بأمثالهم بصدق موقعهم.

هناك قضايا مصيرية تجابه امتنا وبلداننا، وهناك ظلم فادح يقع على أبنائنا وأجيالنا في بقاع كثيرة من هذه البقعة الجغرافية، وأهمها قضية فلسطين. فهل ينبري كل اخوتنا الفلسطينيون دون النظر إلى أبعاد آرائهم السياسية والأيديولوجية إلى الصراخ مجددا: نحن لها؟

* كبير مستشاري الرئيس التركي السابق "عبد الله غل " لشؤون الشرق الاوسط