• 28 تموز 2020
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم :  القاضي فواز ابراهيم نزار عطية

 

       يقول الله تعالى في سورة النساء آية 93 "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، كما يقول الله تعال في سورة المائدة آية 23 "منْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعً". 

         لذلك فُسّر قوله تعالى: من أَجل قتل ابن آدم أخاه ظلما وعدوانا كتبنا علَى بني إِسرائيل أي شرعنا لهم وأعلمناهم أَنه من قتل نفسا بغير نفس أَو فساد في الارض فكأنما قتل النّاس جميعا ومن أحياها  فكأنما أحيا الناس جميعا، أي من قتل نفسا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أَحياها أي حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار.

       ورغم توفر ظاهرة التدين في المجتمع العربي في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص، إلا أنه وللأسف تلك الظاهرة تتلاشى عند حدوث المشاكل، ويتناسى بعض افراد المجتمع تلك الظاهرة وتأخذه الحمية الجاهلية للهاوية دون تفكير ودون حساب للنتائج المؤلمة، حيث تتنامى اسباب القتل في المجتمع العربي الفلسطيني من البحر حتى النهر وتفشت بصورة جنونية وتحت مسميات كاذبة ، حدث ولا حرج.

      ومن هنا يستدعي في هذا المقام، تذكير المجتمع العربي الفلسطيني وكذلك باقي المجتمعات العربية في الوطن العربي، بأن بدعت القتل حول ما يسمى بقتل الشرف أو محو العار، هو تصرف احمق جاهلي وفيه افتراء وتأويل وتضليل وتكذيب وتغييب لظاهرة التدين الهشة ونفي عن سبق اصرار لقول الله تعالى في سورة النور أية 4 وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

    فالمحصنة هي الحرة العفيفة البالغة مسلمة كانت أو غير مسلمة ، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله ، رد عنه الحد، ولهذا قال الله تعالى: ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم

        الفاسقون، حيث أُوجب على القاذف إذا لم يقدم بينة على صحة ما قاله ثلاثة أحكام :
أولا :الجلد 80 جلدة، ثانيا: لا تؤخذ شهادته، ثالثا : أن يكون فاسقا ليس بعدل ، لا عند الله ولا عند الناس .

       هذا حال القذف بالمحصنات أي حال من يحاول التشهير بهن بالكلام والاوصاف الغير حسنة، اما الذين يرمون بناتهم بالزنا والطعن بشرفهن، فالمسألة اكثر تعقيدا في شريعة الاسلام، لأن اثبات واقعة الزنا أو العمل الفاحش من الصعوبة اثباتها إن لم تكن شبه مستحيلة، إلا إذا توفرت الحالات الواردة في قول الله تعالى في سورة النور من لاية 6-10 "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَاب َأَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَالْخَامسةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه ُوَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ "

       إذا كيف توصل الجاني سواء اكان الاب أو الاخ بأن زوجته أو ابنته أو اخته ارتكبت الفاحشة، وليس لديه دليل اربع شهادات وكيف ينصب نفسه الحاكم والجلاد في آن واحد ومن اعطاه تلك الصلاحيات....بل من اعطى العم وابن العم والخال وابن الخال صلاحية القتل...أم انهم يبغون حكم الجاهلية في القرن 21؟؟؟؟

       القتل نتيجة مسميات مختلفة ما انزل الله بها من سلطان، تنامت في المجتمع العربي وفي القدس بصورة ملفتة للانتباه، واصبحت تؤرق صفو العيش بين ابناء البلد الواحد، فالقتل بداع الشرف والشرف من القاتل براء، والقتل لتحصيل المال الحرام نتيجة الكسب الغير مشروع من تجارة المخدرات والسلاح وتبيض الاموال، والقتل نتيجة الشجارات والخلافات العائلية، والقتل نتيجة الخلافات بين الجيران على ركن مركبة، والقتل نتيجة لعبة اطفال في الحارة، والقتل والقتل والقتل نتيجة اتفه الاسباب، جعل من ازهاق روح انسان يحمل في طياته تخلّف المجتمع وانحدار فكره وموروثه الثقافي نحو هاوية تفكك المجتمع بصورة لا تحمد عقباها، مما سيعرض السّلم المجتمعي للإنهيار.

     لا تحدثوني عن الاحتلال الاسرائيلي، ولا تحدثوني عن سياساته ومؤامراته وخططه اتجاه المجتمع العربي، حدثوني عن صلاحية ونقاء فطرتكم، حدثوني عن منهاج واسلوب وقواعد التربية للاجيال القادمة، حدثوني عن الفكر الاصيل الذي زرعتموه في ابنائكم، حدثوني عن معلم مخلص يعزز الفكر والثقافة السليمتين، حدثوني عن العشائر الحامية وليست المتناحرة، حدثوني عن كل القيم والاخلاق الحميدة، حدثوني عن حب الجار لجاره، حدثوني عن اماطة الاذى عن الطريق، حدثوني عن تواضع المسيح عليه السلام، حدثوني عن خُلق محمد صلى الله عليه وسلم ، حدثوني عن رقة ابو بكر الصديق وعدل عمربن الخطاب وحياء عثمان بن عفان وعلم عليّ بن أبي طالب، حدثوني عن عفة مريم عليها السلام، حدثوني عن طهارة عائشة رضي الله عنها، حدثوني بصدق ولا تصبوا جام الغضب على الاحتلال والعيب فينا، فلا يجوز أن نكيل الاتهام للعدو وأن نجعله شماعة الانحلال للفكر والموروث الثقافي، ونحن من قتلناهما ودفناهما بافعالنا في وضح النهار دون خجل.

     في الختام غياب الوازع الضميري للبعض، جعل من القتل سيد الموقف، كما أن غياب تنفيذ القانون وغياب الاحكام الرادعة وتدخل بعض المتنفذين هنا وهناك، وعدم تغليظ العقوبة على المحرضين وعدم زج بعض العشائر وكل من يحرض على القتل في السجن لردعهم عن التحريض على القتل، ساهم بشكل لافت في ازدياد عمليات القتل ضمن مسميات مختلفة، الامر الذي ادى ذلك لنتائج مدمرة قتل يتبعه حرق وجلاء واستنزاف لأموال العائلة بعشرات الالاف من الدنانير، في الوقت الذي كان بالامكان تجنب تلك النتائج لو كانت تتوفر مقومات القيم والاخلاق الحميدة.

     لذلك عدم اعطاء الشرعية لأحد، ورفع الغطاء عن المحرض قبل القاتل ورفع الغطاء عن المشارك والمساهم ، والضرب بيد من حديد لكل عابث قاتل مهما كانت الدوافع، والعمل على اعادة الثقة للجهاز التعليمي واحترام المعلم والنهل من علمه وتكريمه، وعدم الاعتداء عليه من الاهل والطلاب ليؤدي رسالته بكل اخلاص وامانة في تربية الاجيال وليصحح الفكر المشوه وليرفع من قدر الثقافة السليمة وليعيد لاولادنا مفهوم الفطرة السليمة، حتما سيؤدي بنا إلى الابحار بسفينة النجاة من شر قد تحمله ايدي الابناء، يوم لا ينفع العضد على الاصابع ولا يقوى على أن يشفع لهم شفاعة الشافعين، الامر الذي يقتضي بأن تتضافر الجهود من جميع مؤسسات وافراد المجتمع المقدسي بشكل عام والمجتمع العربي في فلسطين بشكل عام، للحد من ذلك السقوط المدوِ، لنعود لمنهاج حياة تستقيم فيه المعيشة بأمن وسلام.