• 30 آب 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : نواف الزرو 

 

خلصت دراسة إحصائية ميدانية أعدتها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بالتعاون مع مؤسسة عمارة الأقصى والمقدسات-مبكرا قبل ثماني سنوات- الى "أن الاحتلال الاسرائيلي يحاول فرض أمر واقع في المسجد الأقصى يقضي بتواجد يهودي يومي في المسجد على ثلاثة محاور، أولها اقتحام المستوطنين وجولاتهم شبه اليومية في الاقصى التي يتخللها اداء صلوات يهودية وطقوس تلمودية، المحور الثاني اقتحام الجنود بلباسهم العسكري وجولاتهم الاستكشافية والارشادية، المحور الثالث اقتحامات لمجموعات المخابرات وجولاتهم في أنحاء أبنية المسجد الأقصى المبارك"، وقالت في الدراسة:"يحاول الاحتلال تعزيز التواجد اليهودي في الاقصى، خاصة في الفترة الصباحية، بواقع ما متوسطه 450 مستوطناً شهرياً، و300 عنصر مخابرات وجنود بلباسهم العسكري شهرياً أيضاً، وذلك بهدف ايجاد صورة نمطية"روتينية"بالتواجد اليهودي في الاقصى، الامر الذي يتوجب الحذر منه والانتباه في التعاطي معه، أو ما يمكن تسميته تقسيم غير معلن للمسجد الاقصى بين المسلمين واليهود".

 وربما ياتي قبل كل ذلك ايضا، مخطط هدم الاقصى وبناء الهيكل، والقصة هنا ليست فزاعة وهمية يظهرونها كلما "دق الكوز بالجرة"، بل هي عبارة عن نوايا ومخططات وتنظيمات وتحركات تتراكم وترمي كلها في المحصلة الى هدم الاقصى المبارك وبناء الهيكل الثالث على أنقاضه. فليس من قبيل التهويل والمبالغة والديماغوجيا اذن ان نثبت بداية ان دولة "اسرائيل"لا تتوقف ابدا على مدار الساعة عن حفرياتها واجراءاتها التهويدية الكاسحة للمدينة المقدسة وللبلدة القديمة منها على نحو حصري، بل ان الامور وصلت تحت ما يمكن ان نسميه"سكرة العرب" ومؤتمرات السلام المزعوم والتطبيع التآمري، الى مستوى خطير جدا يهدد بنسف الاقصى ومحوه عن وجه الارض ، والمسالة بالنسبة لهم مسالة وقت وتوقيت وفق المؤشرات المتوافرة ... فالحفريّات السرية باتت على مقربة شديدة من الأقصى، وهي حفريات محصّنة كـ "مفاعل ديمونة"حسب احدث وثيقة عبرية، وتلك الحفريات يجريهــا "صنــدوق إيفيرســت" بتمويــل مليارديــر يهــودي أميــركي وبــلا رقابــة سلطــة الآثــار : وفيما ينصبّ الاهتمام الإعلامي على الحفريات الإسرائيلية عند «باب المغاربة» المؤدي إلى الحرم القدسي في القدس المحتلة، تقوم جمعية يهودية بحفريات سريّة "خاصة" على بعد ثمانين متراً من "الباب" بحثاً عن "الهيكل". وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت في تحقيق نشرته "أن الحفريات محصّنة مثل مفاعل نووي لتخصيب اليورانيوم"، واصفة الوضعية بأنها "عبوة ناسفة تهدّد بانفجار الوضع مجدداً". وكانت وسائل إعلام عديدة قد نشرت عن أعمال الحفريات المذكورة، وقالت في حينه إنّه "مقابل الحفريات إلى الأعماق، هناك حفريات من الأطراف باتجاه الشرق"، أي باتجاه المسجد الأقصى، وهو ما ينكره المرتبطون بالقضية، وحتى سلطة الآثار، المسؤولة عن كل شبر حفريات في الدولة الصهيونية، ادعت بأنها "لا تستطيع فعل شيء"، وعلّقت تلك السلطة على الحفريات الجديدة بالقول إنها تابعة لـ"جمعية خاصة"، وهي "المخوّلة الوحيدة، بسماح أو عدم سماح لأحد بالدخول اليها/ نقلا عن موقع فلسطين اليوم". وقال تقرير يديعوت"ان المكان سري للغاية، ولا أحد يعرف ما يجري في الداخل، وعندما اقترب مندوبو الصحيفة من الباب المؤدي إلى العقار الذي تتم منه الحفريات، خرج رجل إسرائيلي في الخمسينيات من العمر، وبدأ يصرخ بالروسية ويوبخ مصور الصحيفة بقوله "هل أنت اسرائيلي؟ هل أنت يهودي؟ أنا لا أصدق أنك يهودي أصلاً، إذا أتيت لتصور هنا، فمن ناحيتي أنت لست إسرائيلياً، أنت من السعودية"، وعندما حاول المصوّر سؤال الرجل "ماذا تبنون هنا؟"، رد بالقول "نبني ملجأً للعرب". أهداف الحفريات : أما أهم وابرز واخطر ألاهداف المبيتة وراء الحفريات المتصلة، فضلاً عن المزاعم الرسمية المتعلقة باكتشاف حائط المبكى وهيكل سليمان ، فهي : 1- هدم وإزالة جميع المباني الإسلامية من معاهد ومساجد وأسواق ومساكن قائمة فوق مناطق الحفريات وملاصقة أو مجاورة لهذا الحائط وعلى امتداده".

2- الاستيلاء بعد ذلك على المسجد الاقصى وإنشاء الهيكل الكبير الذي يحملون بإقامته منذ ألفي عام".

3- تكريس واقع التهويد الكامل والضم الشامل للمدينة وإغلاق كل آفاق الحل السياسي لها واحتمالات عودتها إلى العرب .

- بعدان - ديني وسياسي - للنفق : استناداً إلى كل ما سبق ذكره من معلومات ومعطيات وحقائق حول الحفريات الإسرائيلية في القدس التي ابتدأت منذ عام 1967 ، ووصلت ذروتها في فتح النفق كتتويج لذلك المسلسل الطويل من مخططات ومشاريع التفريغ والتهويد الجارية في المدينة ، يمكننا أن نحدد بوضوح صارخ أن هناك بعدين يقفان وراء فتح النفق، أولهما ديني والثاني سياسي ، فكل الأحداث والتطورات اليومية التي تجري على أرض القدس ، تشير إلى أن السلطات الإسرائيلية تعمل مع سبق التخطيط والإصرار، على جعل مدينة القدس يهودية، ذات طابع يهودي صرف، وبالتالي ، فهي توظف كل ما لديها من أدوات وإجراءات وصلاحيات في سبيل هذه الغاية ، أي إضفاء صبغة اليهودية على المدينة ، وكما سبق الإشارة إليه في مطلع هذه الدراسة ، فإن الحفريات المستمرة منذ عام 1967 ، ترمي إلى الكشف عن كل ما يمكن الإدعاء بأنه اثر لوجود يهودي . وتسعى الحكومة الصهيونية، إلى جانب اكتشاف وإثبات الوجود اليهودي في المدينة، إلى فرض السيادة عليها باعتبارها مدينة يهودية ، فالمسؤولون الإسرائيليون ، ابتداء من رئيس الوزراء ، مروراً بالوزراء ، وانتهاء بالنواب ، والأحزاب ، يعلنون ليل نهار بأن " القدس الموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية " . وتشن الحكومة الإسرئيلية حملات، مترافقة مع إجراءات متصلة لا تتوقف، من أجل تأكيد السيادة الإسرائيلية على القدس ، وكل ما نشاهده منذ احتلال القدس من مشاريع ومخططات وإجراءات تهويدية إسرائيلية على أرض القدس ، يوضح تماماً أن للقدس في السياسة والمخططات الإسرائيلية بعدان : الأول دين والثاني سياسي سيادي . والقضية بالنسبة لدولة "اسرائيل"ليست قضية سيادية فقط وإنما هي قضية جعل القدس عاصمة لا يسكنها إلا اليهود، ويتجلى ذلك من خلال تهجير الناس ومصادرة بطاقات الهوية ومن خلال التوسع في المباني، وعدم تسجيل الأطفال، وإرهاق السكان العرب بالضرائب، هدم المباني، وإزالة الأحياء، أما موضوع النفق فكل ذلك يستهدف إلى جعل القدس، خلال فترة زمنية معينة، ليس مجرد عاصمة إسرائيل فقط " أو خاضعة لسيادتها وإنما كذلك مدينة يهودية صرفه، فحزب الليكود يرفض حقيقة وجود غير اليهود في القدس ، ونحن نواجه حالة غير مسبوقة في التاريخ مدينة يراد لها أن يسكنها عرق واحد وجنس واحد وهو أمر لم يحدث في أي مكان . أما بالنسبة للعرب والمسلمين

– من جهة أخرى – فهناك بعدان أيضاً للقدس : الديني ، والقومي الوطني ومن الجدير بنا ان نركز في تعاملنا كعرب ومسلمين على هذين البعدين، فالقدس بالنسبة لنا ليست قضية مقدسات فقط ، بل هي سرة العرب والاسلام ولا يجوز التمييز بين البعدين والتعامل مع بعد واحد وإهمال الآخر . *سباق مع الزمن ... إذن ، يتضح تماماً أن كل هذه الاجراءات الاسرائيلية ليست صدفية ، وإنما هي تطبيق لسياسة إسرائيلية احتلالية مبيتة راسخة تكرس واقع الهيمنة والسيادة الإسرائيلية على كامل المدينة المقدسة بما فيها الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وتسعى لاضفاء البعد الديني اليهودي والصبغة الدينية اليهودية على القدس باعتبارها " مدينة الآباء والأجداد " لديهم ، وباعتبارها مدينة يهودية الطابع والواقع ... !

وما الحفريات الأثرية المحمومة المسعورة إلا في هذا الإطار وهذا البعد تحديداً . فهل تحمل كل هذه المعطيات والوقائع معها احتمالية ترجمة النوايا والمخططات الإرهابية اليهودية بهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه ... ؟ !

في ضوء كل هذا الزخم الهائل من المعطيات المتعلقة بالقدس وتدمير الأماكن المقدسة، فأننا نأتي أخيراً إلى السؤال الأكثر تفجراً وحساسية والمترتب على كل ما سبق ذكره :

- هل تقدم سلطات الاحتلال تحت أي غطاء أو تقمس على هدم الأقصى تمهيداً لبناء الهيكل ... ؟ !

- أم هل تقوم تنظيمات إرهابية يهودية بالمهمة … ؟ !

- ثم ما هو الموقف الفلسطيني العربي من هذه القضية الكبيرة ؟ - وما هي أهم الاستخلاصات المترتبة على ذلك ؟

يمكننا بالتأكيد ليس فقط أن ننفي هذه الاحتمالية، بل أن نؤكدها استناداً إلى جملة من القرائن والمعطيات الموثقة حتى في مصادرهم. فهم– بأجهزتهم وتنظيماتهم وأطيافهم السياسية المتشددة والعنصرية على وجه التحديد يسابقون الزمن لهدم الأقصى ، إذ " يعتقدون أن دورة جديدة من التاريخ اليهودي على وشك أن تبدأ، أنها دورة " ملك السلام " الذي سيتخلص من كل أعداء إسرائيل ، وهذا المنتظر من عالم الغيب يستلزم قدومه تهيئة عالم الشهادة مثل إقامة الدولة وقد تم لهم ذلك ، وتوحيد العاصمة وقد حصل ، وتجهيز منبر الدعوة وموضع القبلة وهو ما يجهدون أنفسهم في سبيل تحقيقه باعتباره مهمة الوقت وضرورة العصر

– ويقصد الهيكل". في ضوء كل هذه التطورات الخطيرة التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للقدس والاقصى المبارك : -وفقا لكم هائل من المعطيات المتعلقة بالحفريات تحت الاقصى فقد اصبح هناك ما اطلقوا عليه"دبمونا نووي" يهدد بهدم وإزالة الاقصى عن وجه الارض، فهل تتحرك الامة لإنقاذه يا ترى قبل فوات الأوان....؟!

- وهل نرى يا ترى تطوراً في الموقف العربي وعليه الدولي في مسألة القدس... ؟

-ثم هل يرتقي التعاطي الفلسطيني وبالتالي العربي فالدولي مع ملف وقضية القدس إلى مستوى مكانة المدينة والأخطار الداهمة التي تتهددها باعتبار أنها تتهود يومياً وفي كل ساعة ومعرضة للضياع التاريخي … ؟ . فالقدس لنا …

عربية الجذور والحضارة والتراث والتاريخ والامتداد والانتماء .

موقع إضاءات