• 30 تشرين الثاني 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د. ولید سالم

 

لم یتم الالتفات بشكل كاف في التحلیلات الفلسطینیة والعربیة لنتائج زیارة مایك بومبیو وزیر الخارجیة الامریكیة للمنطقة خلال شهر تشرین ثاني نوفمبر الجاري ، سیما لجهة ترسیم ضم المنطقة ج من الضفة الفلسطینیة والتي تساوي ثلثي مساحتها باعتبارها جزءا لا یتجزأ من " إسرائیل ". ثم تمییزه لغزة عن المناطق التي تحكمها السلطة الوطنیة الفلسطینیة من الضفة باعتبارهما منطقتین إداریتین منفصلتین. خلال زیارته صرح بومبیو أن كل المنتوجات الصادرة للولایات المتحدة من المنطقة ج ، یجب أن توسم باسم " إسرائیل " . في الاعلام ورد أن بومبیو قد قرر وسم منتجات المستوطنات الاستعماریة في المنطقة ج فقط بأنها إسرائیلیة ، ولكن عندما یعود المرء إلى التصریح الحرفي لبومبیو باللغة الانجلیزیة یجد أنه قد قال أن كل منتوجات المنطقة ج المصدرة إلى أمریكا یجب أن توسم بأنها صادرة من إسرائیل . لا یعني ذلك فقط إجبار المنتجین الفلسطینیین في المنطقة ج على وسم منتجاتهم بأنها إسرائیلیة المصدر ، بل یعني أیضا أیضا اعترافا أمریكیا رسمیا بإسرائیلیة المنطقة ج وبالتالي إعتراف بحق إسرائیل بإتخاذ قرار بضم هذه المنطقة إلیها في أي وقت . بهذا القرار یكون بومبیو قد تجاوز صفقة القرن ذاتها والتي أقرت ضم ثلاثین بالمئة من الضفة الفلسطینیة إلى إسرائیل ، فها هو هنا یقبل ضم ما یزید عن ضعف تلك النسبة وهو كل المنطقة ج ، مضافا إلیها القدس الشرقیة التي كانت الولایات المتحدة قد صادقت رسمیا على ضمها إلى إسرائیل عام ٢٠١٧. یفعل بومبیو ذلك لا لتحضیر نفسه ربما لخوض الانتخابات الأمریكیة عام ٢٠٢٤ بدعم من الافنجلیكانیین الأمریكان ، لكنه یفعل ذلك أیضا انطلاقا من حقیقة أن الولایات المتحدة شریك مباشر في المشروع الاستیطاني الاستعماري إذ أشارت دراسة صادرة عن جامعة هارفارد عام ٢٠١٧ لسارة هیرشهورن أن واحدا من كل ستة مستوطنین مستعمرین في الضفة هو أمریكي وذلك بدون احتساب عدد المستوطنین المستعمرین الأمریكیین الموجودین في مستعمرات القدس الشرقیة . بمعنى آخر یعطي بومبیو لذاته وإدارته الحق في التقریر بشأن المنطقة ج لوجود نسبة من المواطنین الأمریكیین فیها هذا إضافة لإنطلاقه من معتقداته الافنجلیكانیة. یترتب على التحلیل الوارد أعلاه نجاحا أمریكیا إسرائیلیا باهرا في خدیعة العرب والفلسطینیین.

فعلى الصعید العربي كانت الإمارات والبحرین قد طبعت علاقاتها مع إسرائیل مقتنعین حتى تصریح للدكتور أنور قرقاش بأنهما نجحتا في تعلیق ترسیم الضم الإسرائیلي لثلاثین بالمئة من الضفة الفلسطینیة. فرغم ما ترتب أعلاه عن زیارة بومبیو لا زال الدكتور قرقاش مقتنعا بذلك مما یعني أنه على الأقل وإذا افترضنا حسن النوایا لم یلتقط ما فعله بومبیو خلال زیارته للمنطقة في ١٩ الجاري من ترسیم للضم لكل المنطقة ج . أما على الصعید الفلسطیني ساد خطاب أن ترسیم الضم قد إنتهى مع انتخاب بایدن للرئاسة الأمریكیة وهو من سیعود لاعتماد المفاوضات بین الطرفین من أجل الوصول إلى حل متفق علیه بدلا عن تأیید الضم الاسرائیلي . السؤال الذي یرتسم الآن أمام الجانب الفلسطیني هو حقیقة من شقین : الشق الأول یتعلق بالعقبة الجدیدة التي وضعها بومبیو أمام بایدن بتأییده لضم المنطقة ج إلى إسرائیل ، فهل ستغض أدارة بایدن النظر عن هذه الخطوة ؟ وهل ستستمر في التعامل مع البضائع المنتجة في المنطقة ج على أنها منتجة في إسرائیل ؟ وكیف ستتم معالجة هذا الأمر فلسطینیا مع إدارة بایدن ؟ . اما الشق الثاني فیتعلق بالضم الزاحف الجاري على الأرض سیما بشأن توسیع القدس الكبرى لتلتهم مساحات كبرى من الضفة الفلسطینیة بحیث تصل إلى منتصف الطریق إلى نابلس شمالا ، والى البحر المیت شرقا ، وإلى مشارف مدینة الخلیل جنوبا. فكیف سیتم التعامل مع هذا الضم الزاحف وهل ستتم العودة للمفاوضات مع إسرائیل في ظل استمراره؟. في إطار العلاقة الامریكیة - الاسرائیلیة تم التوافق فیما یبدو على إحالة مسألة ترسیم الضم إلى الولایات المتحدة الامریكیة لتعلن عنها بدلا من إسرائیل ، وذلك كمخرج من عدم استطاعة رئیس الحكومة الاسرائیلیة بنیامین نتنیاهو الاعلان عنها مؤقتا حفاظا على العلاقات الجدیدة مع الإمارات والبحرین والسودان، وبحیث قامت أمریكا بالمقابل بمنح إسرائیل أكثر من ستین بالمئة من الضفة الغربیة بما یتجاوز ضعف ما وعدته بها صفقة القرن ذاتها . فهل یفهم المطبعون العرب الجدد هذه الحقیقة ؟

وهل سیتخذون موقفا من الولایات المتحدة التي تهب أرض فلسطین لإسرائیل وكأنها ضیعة تملكها وتتصرف بها كما تشاء ؟ على أن الهدیة الامریكیة لإسرائیل خلال زیارة بومبیو الاخیرة لم تشمل فقط الموافقة على ضم المنطقة ج إلى إسرائیل ، بل تعدتها إلى إعتبار مناطق الضفة التي تخضع للسلطة الوطنیة الفلسطینیة وغزة منطقتین مختلفتین ، لذلك أعلن بومبیو أن البضائع الموردة من غزة إلى الولایات المتحدة الامریكیة یجب أن توسم باسم غزة ، وتلك الموردة من الضفة یجب أن توسم باسم الضفة ، بهذه الطریقة أعطى بومبیو المنطقة ج إلى إسرائیل ، كما قرر أن بقیة الضفة وغزة لا تشكلان معا فلسطین البقایا ، بل قرر أنهما وحدتان منفصلتان واحدة إسمها غزة والثانیة الضفة ، فیما تبقى القدس خارج الحساب.

تأكیًدا لمواقفه زار بومبیو مصنع خمر في مستعمرة بسغوت قرب رام االله ، وتم في فترة زیارته الإعلان عن بدء بناء أول مستعمرة جدیدة حوالي القدس منذ عشرین عاما باسم " جفعات همتوس "، وبوشر ببناء قسم E من مستعمرة (هار حوما ) جبل أبو غنیم

طردت عائلات إضافیة من حي بطن الهوى في سلوان إرضاءا لمجموعة عطیرت كوهانیم الاستیطانیة ، وبوشر بشرعنة سبعین موقعا استیطاني استعماري عشوائي في مختلف أنحاء الضفة الفلسطینیة بقرار من وزیر المستوطنات تساحي هنغبي، وطرحت الحكومة الاسرائیلیة مع بومبیو مسألة بناء تسعة آلاف وحدة سكنیة فیما یسمى بمنطقة عطروت قرب القدس في تجاوز آخر لصفقة القرن التي خصصت هذه المنطقة لفلسطین من أجل بناء مطاعم وفنادق ومحطات استقبال فیها للحجاج العرب والمسلمین الذي یتوقع أن یأتوا لزیارة المسجد الاقصى والصلاة فیه فهل یعي العرب هذا الضم الزاحف ؟  هل من رهان على موقف إدارة بایدن لوقف كل ذلك ؟ أوهل سنعود للمفاوضات رغم الضم الزاحف الجاري ورغم تشریع أمریكا لضم المنطقة ج إلى إسرائیل ؟