• 1 تشرين الثاني 2022
  • مقدسيات

 

بقلم : محمود شقير/ القدس

 

حين زرت الجزائر أوّل مرّة في شباط 1987 لحضور المؤتمر التوحيدي للكتاب والصحافيين الفلسطينيين شعرت بفرح وارتياح، وفيما كنت أنتقل بالسيارة من المطار إلى فندق المازفران؛ القريب من الجزائر العاصمة، رحت أنظر بفضول وشغف إلى الحقول الممتدة وإلى الأشجار المتكاثفة على مدّ النظر، وإلى طبيعة أرض الجزائر التي روتها دماء الشهيدات والشهداء، وفي الأثناء كان يرنّ في أذني نشيد الثورة الجزائرية:

قسمًا بالنازلات الماحقات/ والدماء الزاكيات الطاهرات

والبنود اللامعات الخافقات/ في الجبال الشامخات الشاهقات

نحن ثرنا فحياة أو ممات/ وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا

    هذا النشيد الخالد أعادني إلى سنوات الخمسينيات من القرن العشرين حين كنت طالبًا في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس، وكنّا أنا وطلاب مدرستي نشنّف آذاننا كل يوم تقريبًا بهذا النشيد الذي تبثه الإذاعية المدرسية فيما نحن نتجول قبل الطابور الصباحي في ساحة المدرسة، فنصاب بالحماسة والفخار لأن الشعب الجزائري انتفض ضد المستعمرين الفرنسيين في ثورة عارمة من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، وقدم بشجاعة واستبسال مليون ونصف مليون شهيدة وشهيد من أجل إحراز النصر المبين.

    وهكذا ظل للجزائر وشعبها، ولرموزها السياسية والثقافية مكانة أكيدة في قلبي، وخصوصًا حين ألمس مدى حبّ الجزائريين لشعب فلسطين، وكذلك مدى حرص الجزائر على القضية الفلسطينية، وعلى الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، الحرص الذي يتجلى في ميادين شتى وفي مبادرات عديدة تهدف جميعها إلى مساندة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرر من الاحتلال الإسرائيلي ومن أجل تحرير فلسطين من الغزاة.

2

    وللتأكيد على حبّي للجزائر ولشعبها، ومن أجل ترسيخ هذا الحبّ في نفوس الأجيال الجديدة، كتبت رواية للفتيات والفتيان موسومة ب "أنا وجمانة" وجعلتُ الفتى الجزائري مصطفى؛ وهو أحد أبطالها،يتفق مع زميله الفتى الفلسطيني جواد على إعداد خطة سحرية لتحرير فلسطين. كان جواد يتلقى العلم مع مصطفى في مدرسة جزائرية، وبعد اتفاق أوسلو عام 1993 عاد مع أبيه الموظف في السفارة الفلسطينية في الجزائر، إلى أرض الوطن، وبناء على تعليمات مصطفى ظلت الخطة سرًّا بينه وبين جواد، وكانا يتواصلان معًا من خلال الانترنت، ومن دون علم جمانة؛شقيقة جواد، التي كانت معجبة بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد.

    وبالطبع؛ كادت الخطة السرّيّة أن تتكلل بالنجاح،لولا تدخّل عملاء المخابرات المركزية الأمريكية الذين اكتشفوا الخطة وحرموها من الوصول إلى غايتها الأخيرة، لكن هذا لا يعني نهاية المطاف، ولا الشعور باليأس مهما طالت المعاناة.

3

   ثمّ إنني زرت الجزائر مرّة ثانية حين انعقد المجلس الوطني الفلسطيني الثامن عشر على أرضها في نيسان 1987، ومرّة ثالثة حين انعقد فيها المجلس الوطني التاسع عشر في تشرين الثاني 1988 وواصلتُفي الأثناء وقبل ذلك وبعد ذلك قراءة الأدب الجزائري بكل تجلّياته الإبداعية، وكذلك متابعة كل ما له علاقة بنضال الشعب الجزائري من أجل تعزيز الاستقلال وإحراز مزيد من التقدم والرفعة والمنعة والرخاء.

    كل الحب للجزائر البطلة ولشعبها المعطاء.