• 15 تشرين الثاني 2022
  • مقدسيات

 

 القدس - أخبار البلد -  تحي المثقفون والادباء والكتاب في القدس وفي كل انحاء فلسطين الذكرى التاسعة  لوفاة الاديب  والشاعر المعروف "علي الخليلي"، ويقول الصحفي والكاتب وناشر شبكة " أخبار البلد" :  لقد تعرفت على الاديب المبدع " علي الخليلي"  وكان استاذا لي في مكاتب صحيفة "الفجر"  و"الفجر الادبي" كان دائما محاطا بالكثير من الادباء والاصدقاء الباحثين عن النصيحة منه والارشاد الادبي لهم .

 ويضيف العسلي : "  كم كنت سعيدا عندما  اشاهد مكتبه وقد تجمعت عليه الكتب والاوراق ، عندما كانت القدس ملتقى المثقفين والكتاب والادباء من جميع انحاء فلسطين ، ولكن مع قدوم السلطة الفلسطينة رحل الكتاب والادباء الى رام الله تاركين القدس حزينة على فراقهم واحدا واحدا" .

 وبهذه الذكرى  كتب الروائي الكبير المخلص للقدس  وعاشقها  الكاتب " محمود شقير" في ذكرى  وفاة صديق وزميل له هذه الكلمات الصادقة والتي يشرفنا في شبكة " أخبار البلد" المقدسية ان نقوم بنشرها كاملة كما وصلتنا من اديبنا المبدع " محمود شقير" : 

 عن الاديب " علي الخليلي" في ذكراه

 بقلم : محمود شقير

علي الخليلي واحد من أبرز كتابنا المعنيين بالاحتفاء بأفكار العقلانية والتنوير واحترام الرأي والرأي الآخر، والإفساح في المجال لجدل الأفكار والآراء، من دون تعصب أو انغلاق أو تحيز عصبوي لجهة سياسية أو ثقافية بعينها. 

 هذا الدور التنويري الذي مارسه علي الخليلي في كتاباته الأدبية، تجلى بوضوح لا مزيد عليه في مقالاته السياسية التي دأب على نشرها في الصحافة اليومية، مبينًا حرصه على التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وفي الديموقراطية والتعددية. وقد وقف من الأخطاء والتجاوزات التي رافقت نشوء النظام السياسي الفلسطيني (وما زالت ترافقه)، موقفًا نقديًّا بعيدًا من التشنج والانفعال، مؤكدًا في الوقت نفسه حرصه على الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الرافعة الأساس لتطوير النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال، ولحماية شعبنا من مخاطر الاقتتال والسقوط في فخ الفتن الداخلية.

 حينما كنت واحداً من كتاب مجلة "الأفق الجديد" المقدسية في ستينيات القرن الماضي، لم يكن علي الخليلي واحدًا من كتّاب هذه المجلة، لأنه كان قد غادر البلاد للدراسة الجامعية وللعمل في أحد الأقطار العربية، ثم واصل الكتابة ونشر قصائده في الخارج. 

 وحينما عاد إلى الوطن لم أكن أنا في الوطن. كنت مبعداً منه بقرار قسري من سلطات الاحتلال، وقد استقر بي المقام في عمان في فترة من الفترات، وكان أول لقاء لي مع علي الخليلي في عمّان. ومنذ لقائنا الأول أكبرت فيه دماثة خلقه وتواضعه واحترامه للآخرين وميله للتحدث بصوت هادئ، وحينما يصمت فإنه يفعل ذلك بعمق لكي يصغي إلى محدثه بانتباه.

 ولم تكن لدينا لقاءات متقاربة، ربما التقينا مرة أخرى أو مرتين في عمّان. وكان أبو سريّ قد أخذ يمارس دورًاثقافيًّا رياديًّا منذ عودته إلى الوطن، وواصل هو ونخبة من زملائه الاضطلاع بمهمة تكوين إطار ثقافي يجمع شمل الكتاب، ويتحدّى عسف سلطات الاحتلال، ويسهم في تطوير الثقافة الوطنية ودفعها خطوات واسعة إلى الأمام، تمثّلت في كتابة جديدة على صعيدي القصة والقصيدة تحديدًا،  تُعنى بالواقعي واليومي وبهموم الوطن الفعلية، بعيدًا من الرومانسيّة الساذجة ومن المباشرة الفجة. واستمرّعلي الخليلي يطور قصيدته منوعًا في طرائق كتابته الشعرية ما بين قصيدة قصيرة مكثّفة ذات نهاية مباغتة، وقصيدة طويلة تستلهم التراث على نحو ما، وتستلهم في الوقت ذاته مأساة شعبنا الممتدة من منظور فكري أكثر عمقًا وإحاطة، بلغة فيها بساطة اليومي ورصانة التراثي، تعبّر في حالات غير قليلة عن شغف علي الخليلي بالمكان والتصاقه الحميم به، خصوصًا حينما يتعلق الشعر بنابلس، مدينة طفولته وصباه، أو بالقدس، مدينة نضجه وتبلور رؤاه.

 وحينما عدتُ إلى الوطن مع أول فوج من المبعدين العائدين، تعدّدت اللقاءات بيني وبين أبي سري، وظللنا نلتقي في قاعة اتحاد الكتاب للمشاركة في الأنشطة الثقافية التي يقيمها الاتحاد، وفي المسرح الوطني الفلسطيني في القدس وفي مؤسسات ثقافية أخرى. وبقينا على هذه الحال إلى أن جمعتنا الظروف في عمل وظيفي استمرّ ما يزيد عن عشر سنوات في وزارة الثقافة، كانت لنا خلالها لقاءات كثيرة  للمشاركة في أنشطة ثقافية وندوات ومهرجانات وحوارات.

  وطوال تلك السنوات تعزز لديّ الانطباع الأول الذي كونته عن هذا المثقف الممتلئ رهافة ودماثة. إنه إنسان صقلته ثقافته التي أصبحت جزءًا من سلوكه ومن ممارسته اليومية في الحياة. كان سرعان ما يحزن حينما يرى أي خلل في السياسة أو في الثقافة أو في علاقات الناس ببعضهم بعضاً، فيبحث عن صديق يبثه شكواه، لكي يتخفف قليلًا مما يشعر به من أحزان.

 ذات نهار؛ كنا أنا وأبو سري في رام الله للمشاركة في برنامج تلفزيوني عن عيد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وعن علاقة الثورة بالثقافة، تحدثنا عن الموضوع من جوانبه الإيجابية وكذلك السلبية، ثم غادرنا مقر التلفزيون ومشينا بعض الوقت في شوارع رام الله، وتبادلنا الهموم حول المرحلة الصعبة التي يجتازها شعبنا وقضيتنا ثم تفرقنا على أمل اللقاء من جديد.

 غير أن المرض العضال اختطف أبا سري منا في وقت كنّا وما زلنا أحوج ما نكون إليه وإلى أمثاله من المثقفين الوطنيين التقدميين الأوفياء المخلصين. 

لعلي الخليلي الشاعر المثقف الإنسان الرحمة وبقاء الذكرى  والخلود.