- 26 حزيران 2025
- مقدسيات
بقلم : عبد الله توفيق كنعان*
تشكل السيرة النبوية الشريفة نهج حياة حضاري ليس للمسلمين فقط بل لكل انسان يتمسك بالفطرة السليمة ويحكّم عقله لينعم بالحياة الكريمة والأمن الانساني بمفهومه الشامل الرحب، والهجرة النبوية محطة دينية تاريخية مفصلية في ابعادها ومضامينها، حيث تجلت معها الدولة الاسلامية المدنية المتمسكة بتعاليم دينها الاسلامي الحنيف ومنظومة المبادىء والقيم الاخلاقية والتشريعية الكفيلة بالرفاه والتنمية والأمن والسلام القائم على أداء حقوق الجميع بما يتوائم مع تعاليم الشرع الالهي، واليوم وفي هذا الواقع الذي نعيشه بما فيه من أزمات وتحديات وصراعات عابرة للحدود، يتجلى لنا في السيرة النبوية بشكل عام والهجرة النبوية بشكل خاص، عظيم الدروس والعبر التي يمكن التمثل بها في حياتنا اليومية.
ان ما تعيشه أمتنا اليوم من تداعيات ومخاطر عصيبة وأحداث جمّة ارتبطت بكل تأكيد بما يدور حولنا من صراعات وحروب، وقبل كل ذلك ما يواجهه الاقليم من مخططات التقسيم والتفرقة ناتجة عن الصهيونية العالمية التي خططت الكثير من البرامج والأهداف، حيث تعمل على تنفيذها دون هوادة عبر ما يمكن تسميته بذراعها الرئيس والمتمثل بالاحتلال الاسرائيلي لفلسطين المحتلة، الذي بات يهدد اليوم وبسبب تصرفات وتصريحات حكومة اليمين المتطرف الاسرائيلية نشوب حرب اقليمية واسعة النطاق والنتائج، وتحت مسميات استعمارية مثل الشرق الاوسط الجديد ونظرية السلام بالقوة وغيره من مفاهيم تعكس ما يحاك لأمتنا من مؤامرات يجب الوعي بها ومواجهتها بارادة وعزيمة.
لقد تعلمنا من الهجرة النبوية الكثير من القيم والدروس الدينية الصالحة لعمارة مجتمعاتنا، فمن الهجرة انبثقت مفاهيم عملية مثل التخطيط والثقة بالنصر والنجاح والمؤاخاة ووحدة الصف والكلمة وبناء دولة وفق دستور شامل يحفظ حقوق كل المكونات الاجتماعية ( وثيقة المدينة) والقائم على الحقوق والعدل.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وجوهرتها القدس وما يحدق بها من مؤامرات كثيرة تتمثل بالاستيطان والاسرلة والتهويد ، إلى جانب مساعي الاحتلال الاسرائيلي أيضاً في القضاء عليها كقضية انسانية عالمية لشعب اغتصبت حقوقه وأرضه، وقضية عربية واسلامية تتمثل في الدفاع عن الارض والهوية والتاريخ والحق الذي لا يمكن لهذه الامة التنازل عنه، حتى وان نشط الاحتلال في الترويج لروايته واساطيره التلمودية والتوراتية بما فيها ارض الميعاد والهيكل المزعوم، فإنها قضية مصيرية للأمة والعالم الحر تستمد معنى صمودها ونضالها وتمسكها بالحق من دروس الارادة والعزيمة ونماذجها العملية في الهجرة النبوية، الى جانب أن مدينة القدس( بيت المقدس) شكلت رمزيتها الدينية والوحدوية محطة مهمة في الهجرة النبوية ، حيث كانت قبلة المسلمين بعد الهجرة لمدة ستة عشر وفي رواية أخرى سبعة عشر شهراً، كما خُصت بالكثير من الاحاديث النبوية الشريفة، كما أن بناء مسجد قباء كان أول الاجراءات التي عمد اليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عند الهجرة ، لرمزية واهمية المسجد كمؤسسة دينية وتعليمية وادارية واجتماعية في الدولة الاسلامية، ولا يخفى على أحد ان المسجد الاقصى المبارك الذي ارتبطت رمزيته بحادثة الاسراء والمعراج وباحاديث نبوية شريفة يشكل اليوم رمزية وجوهر عقيدة النضال والتحرر الفلسطينية ، فطوفان الاقصى وقبلها سيف القدس تعكس الارتباط المكاني والروحي والمصيري لامتنا بالمسجد ، الذي يتعرض اليوم وتحت نظر العالم لجريمة وعدوان الاقتحامات المتكررة وعمليات الاغلاق ومساعي التقسيم المكاني والزماني و اسطورة اقامة الهيكل المزعوم على انقاضه لا سمح الله.
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وهي تشارك قيادتنا الهاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وشعوب أمتنا الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة ، لنعيش مع امتنا نفحات ودروس الهجرة النبوية التي جاءت لتؤكد عزيمته عليه الصلاة والسلام في حمل رسالة ديننا الحنيف بما في ذلك تقوية المجتمع وتوحيد صفوفه وكلمته، هذه الامة التي تحتاج اليوم لدروس الهجرة والسيرة النبوية في تعزيز صمودها ونضالها وهويتها الحضارية الاصيلة، دفاعاً عن أرضنا ومقدساتنا ومصيرنا ومستقبل الاجيال، خاصة أننا نواجه اليوم تحديات غير مسبوقة تتطلب عميق الاستغلال لكل عناصر قوتنا واستنهاض الهمم للدفاع عن الحق والعدل، فكل عام وأمتنا وشعوبنا وقيادتنا الهاشمية سليلة الدوحة النبوية بالف خير، وحفظ الله بلدنا الاردن الشامخ من كل سوء ومكروه.
*أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس