• 7 تشرين أول 2025
  • مقدسيات

 

القدس - أخبار البلد - كتب خالد الاورفالي 

 

" من يقول لي ان القدس بخير اقول له كذاب … لان القدس ليست بخير وخاصة البلدة القديمة ، فأنا لا افتح حانوتي في حارة النصارى إلا من اجل ان  اشعر انني على قيد الحياة،  ولم يدخل دكاني زبون واحد من فترة طويلة جدا  .. فالبلدة القديمة ليست بخير بل هي في حالة دمار كبير…"

 هذا ما قال أحد تجار حارة النصارى الذي   يبيع السيراميك  المصنوع في مدينة الخليل والذي يقول انه لا يفتح حانوته بشكل يومي بل كل اسبوع مرة من أجل  الحفاظ على البضائع ومن أجل إضاءة الشارع المظلم في النهار ،  وافتح حانوتي للتحدث  مع بعض جيراني الذين قد يتصادف ويفتحون محلهم في نفس الوقت نشرب القهوة ونجلس أمام محلاتنا وقبل العصر نكون قد أغلقنا الحوانيت وذهبنا الى بيوتنا ، نبكي حالنا الذي وصلنا إليه في القدس  .

 الشارع الرئيسي في حارة النصارى يبدو في ساعات الظهر المتأخرة مثل شارع مجهول في مدينة منكوبة، 

 وأكمل حديثه هذا التاجر ابن ٧٣ عاما: 

 انا قضيت عمري كله في حارة النصارى وشهدت ايام وليالي كان  هذا الشارع لا يغلق أبوابه وخاصة في الفترة الأردنية، وبعد الاحتلال بقليل عندما كانت القدس العاصمة السياحية الاولِى ، ولم اشهد في حياتي اياما اسوء من هذه الأيام التي تمر بها القدس ،  اشعر وانا اسير في أزقتها من بيتي في حارة النصارى في حانوتي ان القدس حزين غاضبة وحيدة في مواجهة جبروت المحتل وتخاذل العرب والمسلمين والمسيحيين على حد سواء " 

 في سوق خان الزيت كان محمد عبد الغفار ٤٦ عاما صاحب محل لبيع الملابس في شارع الواد  يسير بهدوء عجيب وكأنه  زائر وليس صاحب حانوت قائلا: 

لا توجد أية حركة رغم ان حانوتي في شارع الوادي وهو الشارع الأكثر اكتظاظا في البلدة القديمة لانه يؤدى إلى الحرم الشريف / المسجد الاقصى ، ولهذا تركت الحانوت مفتوحا على مصرعيه وجئت الى بائع الخبز المعروف في القدس.

بائع الخبز هو الشاب رائد القباني الذي توارث المهنة والمحل عن والده  الذي أمضى عشرات السنين في نفس المحل ليصبح العنوان في المدينة ، حانوته الصغير جدا الذي لا تزيد مساحته عن متر ونصف وارتفاعه لا يسمح للبائع إلا أن يبقى منحنيا  طيلة الوقت ، الذي الحانوت الذي يعتبر الأشهر في البلدة القديمة فهو يقع على مفرق باب خان الزيت ومدخل حوش الجبشة المؤدي إلى حارة النصارى ، وتحرص جميع المخازن في البلدة القديمة أن تعرض خبزها عنده فهو العنوان للخبز  بأنواعه المختلفة من القمح والابيض والكماج والصاموني والحمام  وغيره من خبز الكثير في البلدة) .

 قام عبد الغفار بشراء رغيفين من الخبز ويضيف :  افكر ماذا سأفطر  طالما أن السوق  فاضي ، فتوجهت الى محل الفلافل القريب هو محل الهدمي واشتريت عدد من حبات الفلافل وبعد ذلك سوف اشترى قليلا من اللبنة من البقالة واتناول حبة بندورة من بائع الخضروات القريب ايضا ولن انسى ان اشترى قليلا من الزيتون والمخلل من بائع المخللات في باب خان الزيت، وأعود الى حانوتي لتناول الإفطار بهدوء وبدون اي ازعاج ، فانا لم ارى زبوننا منذ الاسبوع الماضي وبالتالي لن ياتي هذا اليوم ايضا لا احد يشتري الملابس "  

 

 وقال المحامي زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية انه وفق الإحصائيات التي لدينا في المركز أكثر من 600 محل تجاري يشكلون 50% من المحال التجارية في البلدة القديمة من القدس أغلقها أصحابها بسبب غياب المتسوقين وتفاقم الديون

 مضيفا ان  الخطر الاكبر الذي يهدد المحال التجارية في القدس هو ما يسمى ضريبة الارنونا لدرجة ان بعض المحال التجارية عليها ديون تزيد عن ٢ مليون شيكل للبلدية ، حتى المحال المغلقة غارقة بالديون  للبلدية والتي تستطيع أن تستولي على هذه المحال  بحجة الديون وبأمر من المحكمة مما يعنى كارثة اجتماعية واقتصادية  للمدينة عامة والبلدة القديمة بشكل خاص .

تاريخيًا  أسواق القدس تعتمد على السياح الأجانب والوافدين المحليين إلى المدينة للصلاة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة  ولهذا فان القاعدة الاقتصادية للمدينة تعتمد على قطاعي السياحة والتجارة قبل أن تفقدهم تدريجيًا مع توالي حلقات الحصار والاجراءات الاسرائيلية  والحروب التي تشنها اسرائيل .

 اضافة الى ضعف القوة الشرائية لدى سكان المدينة والذين باتوا يتجهون إلى المجمعات التجارية الكبيرة سواء في بيت لحم او رام الله او حتى الاسرائيلية في القدس  لشراء حاجياتهم الضرورية  بأسعار اقل بهدف  تنظيم حياتهم اليومية  وتقليل التكاليف بدل التوجه الى بقالة الحي في البلدة القديمة ، لدرجة أن بعض البقالات اغلقت ابوابها وتحولت الى حوانيت لبيع أشياء أخرى،  كما يقول  الباحث الاجتماعي نافذ عسيلة سكان احد الاحياء في البلدة القديمة والذي يضيف ان الفقر منتشر في كل مكان و بصورة غير مسبوقة في صفوف العائلات :

" يظهر الفقر في القدس، خاصة في البلدة القديمة، كواقع يومي يتجاوز الأرقام، ويعكس كرامة وصمود السكان رغم التهميش السياسي والاقتصادي. تستخدم العائلات لغة توازن بين الشكر والحاجة للحفاظ على كرامتها، وتعبر عن معاناتها بتفاصيل إنسانية مدروسة تجذب الدعم وتنتقد غياب العدالة. يتفاوت الخطاب بين النساء والرجال وفق أدوارهم الاجتماعية، ويكشف توترًا داخل الأسر حول تمثيلها. الفقر هنا ليس فقط أزمة معيشية، بل شكل من أشكال الهوية، حيث تتحول السرديات إلى أداة للمطالبة بالاعتراف والعدالة، لا مجرد طلب للمساعدة.

 يضيف عسيلة:

يواجه الاقتصاد المحلي التقليدي تآكلاً، إذ تختفي الحرف اليدوية والمتاجر العائلية التي كانت تدعم المجتمع، لتحل محلها محلات هدايا تذكارية ومطاعم ومقاهي تخدم السياح الذين اختفوا اصلا  ونتيجة لذلك، يجبر السكان على العمل في وظائف منخفضة الأجر مما يفقدهم استقلاليتهم وكرامتهم الاقتصادية "

 وختم كلامه بالقول أن  آخر الإحصاءات الإسرائيلية  الرسمية صادرة عن معهد القدس لبحث السياسات  في عام ٢٠١٩  أشارت إلى أن نسبة الفقر بين السكان العرب في مدينة القدس قد وصلت لـِ 77٪، مما يعنى أن نسبة الفقر زادت خلال سنوات الحرب على قطاع غزة  وتزايد الضرائب وارتفاع الأسعار الجنوني للمواد الاساسية وارتفاع نسبة الفواتير مما عمق  الأزمة المعيشية للعائلات المقدسية 

 ووفق تصريحات مسؤولين في الغرفة التجارية الصناعية في القدس فإن الغرفة تعمل ما باستطاعتها للتخفيف من حدة الأزمة على التجار في البلدة القديمة بشكل خاص عبر توفير منح  ، ولكن هذه الجهود هي اقل بكثير من حجم الازمة الاقتصادية التي تعصف بالمدينة المقدسة بسبب الاجراءات الاسرائيلية الهادفة الى تفريغ المدينة من التجار وابعاد المتسوقين عنها ، واعاقة وصولهم ..

 واضافت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها انه وفق المعطيات المتوفرة لدينا فان عدد المصالح الاقتصادية في المدينة عامة 5920 منشأة، 40% منها سياحية، و25% تجارية، و25% خدماتية في حين تتوزع العشرة بالمائة المتبقية ما بين الصناعة والزراعة"

 ويذكر أن جولة بسيطة للبلدة القديمة تظهر ان  قسما كبيرا من هذه المنشآت معطلة تماما ولا تعمل والقسم الآخر يعمل جزئيا . وكما قال محمد عبد الغفار صاحب حانوت في البلدة القديمة الوضع في البلد محزن بل ومبكى ولكن لمن تشتكى ولمن نتوجه طالبا للمساعدة ، لا يوجد غير الله ، فنحن هناك في البلدة القديمة فقط لأننا نعتبر أنفسنا حراس المدينة  والمدافعين عنها وهذه وظيفتنا حتى لو لم نحقق أي  ربح مادي …