• 21 تشرين أول 2025
  • مقدسيات

 

القدس - أخبار البلد - كتب نافذ عسيلة

 

في أسواق الضفة الغربية، تبرز قصة مغايرة لتلك المرتبطة بالصراع مع الاحتلال، وهي قصة التفاوت الاقتصادي اليومي بين الفلسطينيين أنفسهم. تظهر ظاهرة رفع الأسعار تجاه زوار القدس وعرب 48، أو حملة الهوية الزرقاء وأصحاب السيارات ذات اللوحات الصفراء، حيث يعاد رسم الحدود الاجتماعية من خلال الممارسات التجارية اليومية، في سياق تتقاطع فيه السياسة بالاقتصاد والثقافة.

هذه الممارسات لا تنحصر في الاستغلال المالي، بل تعكس ديناميكيات أعمق تتعلق بتفاوت الدخل والصور النمطية والعلاقات المركبة بين فئات الشعب الفلسطيني التي فرقها الانقسام الجغرافي والسياسي. ينظر أحيانًا إلى حملة الهوية الزرقاء على أنهم يتمتعون بفرص اقتصادية أفضل بسبب عملهم داخل الخط الأخضر أو حصولهم على خدمات أفضل، ما يؤدي إلى تصورات تؤثر على كيفية التعامل معهم في الأسواق. يحدد السعر بناء على اللهجة أو المظهر أو أسلوب التفاوض، وينظر إليهم كزبائن أكثر ربحًا، مما يشجع بعض التجار على رفع الأسعار.

يرى بعض الباعة في هؤلاء الزوار فئة مختلفة، ما يؤدي إلى تراجع الشعور بالتضامن الاجتماعي، ويبرر سلوكياتهم باعتبارها رد فعل على التفاوت القائم. وفي بعض الحالات، يتم تبرير هذا التمييز كتعويض عن الظروف الاقتصادية الصعبة، أو كضريبة غير معلنة تفرض على أنهم أكثر حظًا.

يشعر العديد من الزوار بالغبن، خصوصًا حين يعتبرون أنفسهم جزءًا من النسيج الفلسطيني، وتتعالى أصوات من داخل الضفة تنتقد هذه الظواهر، معتبرة إياها تعبيرًا عن انقسام داخلي يضعف التماسك الاجتماعي. المسألة تتجاوز الجانب الاقتصادي لتكشف عن تفاعل معقد بين الهوية والسياق السياسي والاقتصادي، وتعكس التناقضات داخل المجتمع الفلسطيني.

تستخدم هذه الممارسات لترسيم حدود اجتماعية داخل الإطار الوطني الواحد، ما يعمق الانقسامات وينتج صورًا نمطية تعيد تصنيف الأفراد والجماعات. ومع مرور الوقت، تتحول هذه الأنماط إلى أدوات تضبط الهوية الاجتماعية، حيث يسهم الاقتصاد في تشكيل التصورات عن الآخر داخل المجتمع نفسه. بذلك، تصبح التجارة وسيلة لإعادة صياغة الولاءات والانتماءات، مما يهدد التماسك الاجتماعي ويؤثر على مفهوم الوحدة الوطنية، ومن هنا، تبرز الحاجة إلى مكاشفة داخلية ومصالحة مع الذات.