• 11 تموز 2021
  • مقابلة خاصة

 

بقلم : كايد هاشم

من حق المبدع أو المثقف، كأي إنسان على وجه الأرض، حين يضيق به الحال بسببٍ من النوائب التي تحلّ في الناس، أن يتألم بصوتٍ مسموع أو بصمتٍ موجوع، ويشكو إلى خالقه جرح الكرامة وعقوق الزمان وسوء المآل . وذلك ليس لأنه هذا الكاتب المُجيد أو الفنان الموهوب أو صاحب العقل المفكِّر المُفضَّل على العالمين، ولكنه المخلوق الذي يحمل في عقله وقلبه ووجدانه صوت مجتمعه ووطنه وروح الإنسانية ورسالتها في قلمه أو ريشته أو تعبيره الفني والثقافي بأي شكلٍ كان .

ومن دروس التاريخ الذي مضى، وسيظلّ الدرس الأزلي ما بقيت الحياة، أنَّ المجتمعات تخلّدها عقولها من أهل العلم والفكر والفلسفة، ومواهب أبنائها من فنانين وأدباء وشعراء، وإهمال هؤلاء معناه اختلال الموازين والقيم التي لا تُقيمها الماديات واعتباراتها وحدها، فلا قوة في آلة دون علم، ولا قيمة للمال دون عقل وحُسن تدبير، ولا قيمة لشيء دون حكمة في التقدير، وما الأمم التي عاشت تصارع غيرها من الأمم والشعوب على مبدأ القوة المادية إلا كان مصيرها الاندثار بانتهاء تلك الصراعات، فذهبت معها آثارها ولم يعد أحد يذكرها أو يجد شيئاً أبقته يذكِّر بها .

وعلى العكس من ذلك الأمم والحضارات التي اهتمت بالفنون والعلوم والآداب، وصانت الجوانب الروحية والشعورية وجمالياتها في نهجها وأسلوب حياتها وبناء إنسانها وهُويّتها، فظلَّت ماثلةً في آثارها وتراثها من الفكر وتجليات الإبداع، حتى وإنْ كانت المظاهر المادية التي تركتها قد بُليت أو أكل عليها الدهر وشرب، لكن جوهرها في المعاني التي خلدت منجزاتها وأبقتها حيَّةً في النفوس والأذهان على مدى العصور والأزمان .

كل تلك المعطيات تشمل العلماء والأدباء والفنانين والمفكرين، والمثقفين عموماً بالمفهوم الإنساني، ولا تنحسر في فئة منهم، مهما اختلفت اتجاهاتهم الفكرية في إطار فضاء الوعي والتنوير والتقدّم، فمهمة المبدع والمثقف دائمة ومستمرة، لا ينبغي أن تنتهي بظرفٍ عابر، أو حدثٍ طارىء، أو تقيدها شروط وظيفية آنية، أو أحوال معيشية خانقة، ما دام عقله وموهبته نَبَتا على وقع مسيرة وطن وقضايا شعب ومطامح أمّة، وما دام يشكِّل في علاقته بهذه الأقانيم والمصائر ركناً من أركان الوعي؛ بما له من رؤية ورأي وموقف تتجاوز مساحة خطابه جغرافياً وثقافياً إلى المساحة الإنسانية الأوسع في هذا العالم .

لكن علينا كمجتمعات تريد الحياة وترنو إلى مستقبل أجيالها أن لا نغفل الواقع أمام بهاء المثاليات، ومع رفضنا لخفوت صوت مجتمعاتنا وأمّتنا في الضمير الإنساني، علينا أن نحول دون غياب الدور التنويري للمثقف والفنان والكاتب، لأن هذا الغياب يعني غياباً للفعل والمنجز الثقافي والحضاري العام، وغياباً لفاعليته في بناء المجتمع نفسه وتأثيره في سيرورة النماء، وقصوراً في الاستجابة لشروط النهوض والتقدم والبناء، فالعقل والموهبة هبة الله ومسؤولية تاريخية للموهوب عن الضمير الجمعي تجاه قضايانا الكبرى، وسيظل الخطاب الثقافي والفكري الرؤيوي هو الرديف الأقوى للخطاب العام لكل مجتمع وأمّة أرادت الحياة وكرامة الإنسان والعيش الكريم والاطمئنان فاستجاب لها القدر!