• 1 كانون الثاني 2022
  • مقابلة خاصة

 

بقلم : كايد هاشم 

 

سأل مستنكراً : لماذا تكتبون وتبدعون شعراً ونثراً ورسماً ونحتاً ومسرحاً وموسيقى وغناءً وسينما ... والناس تتكاثر عليها هموم الحياة والغالبية لا تقرأ ولا تبدو معنية بما تصنعون؟ قلت : نكتب ونبدع بحثاً عن مسارب الضوء وسُبُل الخروج من الجمود، ونكتب لنكافح خمود العقول، وهمود القلوب، وفساد الأذواق في وقت تتعاظم الخطوب والمحن التي تتحدى إنسانيتنا ومسؤوليتنا الأخلاقية، نكتب في زمن يحتاج الناس إلى مَن يبث فيهم روح الأمل والنهوض ويبث الوعي ويعين بفنون الكتابة والإبداع الأخرى على استعادة قيم ضاعت أو تكاد تضيع لتستمر الحياة ، هذا هو التحدي الحقيقي؛ فهل نستطيع ؟!   

سواءٌ تحقق ذلك التقدم المنشود أو أصابه الانتكاس والتراجع، فإن دور الكاتب والمبدع لا يتوقف عند نهاية مرحلة أو بداية مرحلة أخرى، فعالم الأفكار ودنيا الإبداع وحياة الفكر والفن والكلمة التي هي أصلاً كانت في البدء و(اقرأ وربك الأكرم الذي علَّم بالقلم)، مرتبطة بجوهر الحياة الإنسانية ما استمرت، وجزء من سُنّة التطور وبناء الحضارة . ومن هنا يُقاسُ أثر الكاتب والفنان من حيث قدرته على الاستمرار والبقاء بعد حياة الإنسان الذي سعى لأن يكون له هذا الأثر في حياة الناس.

لا تكتسب تجارب الحياة الإبداعية قيمتها دون المعرفة المباشرة بأدق هموم البشر والامتزاج بواقعهم والتعبير عن تطلعاتهم، ولا تكتمل هذه المعرفة وتنتج أدباً أو فناً أو فكراً أو علماً نافعاً دون الخروج من مركزية الفرد والذات والدوران في حلقتها الضيقة، ودون صدق المشاركة الإنسانية والإيمان بدور العقل والثقافة والعلم والقيم في كسر أشواك التخلف والتقاعس، ودون بلورة رؤية نابعة من القراءة والتأمل والدرس في مصادر المعرفة كما في مظاهر الحياة وأحوال الناس، مع ما يصقل التجارب من الحوار والتفكّر والنقد.

وفي كل هذه المستويات من التجارب المعرفية ترتسم معالم المواقف الفكرية الحقيقية ومسارات الضوء الواضحة البعيدة عن البهارج الدعائية واللمعان الخادع الكذوب، بعد أن تكون التجربة قد حددت الهيكل الوجودي لأثر الكاتب أو المفكر  أو الفنان، إذ تكون قد تشربت عوامل الاستمرار لهذا الأثر بجوهره ومحتواه، أو بعكس ذلك تكون قد انتفت من التجربة دلائل القدرة على الإثمار وأدى بها الفراغ والعبث إلى انتصار أسباب الاندثار والتلاشي عليها، وبالتالي الانتهاء إلى لا شيء !