- 13 حزيران 2024
- مقابلة خاصة
القدس - أخبار البلد - في إطار جمع شهادات مقدسية عن الحرب التي حولت القدس الى دمار وخراب ووصفت بأنها نكسة ولكن هي في الواقع كارثة بكل ما في الكلمة من معنى.، كتب ل " أخبار البلد" المهندس انطون سنيورة شهادته قائلا:
في 5 حزيران عام 1967، الساعة الثامنة صباحا، سمعت صفارات الانذار تدوي في المنطقة المحيطة بمقر الرئاسة التابعة لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في القدس ومقرها على جبل المكبر، حيث كنت أعمل موظفا رسميا أعمل هناك ، حيث كان مقر الأمم المتحدة يقع على خط الهدنة للحدود بين القدس الغربية المحتلة منذ النكبة عام 1948 والتي احتلتها المنظمات الإرهابية اليهودية مثل لحي والهجنا و شتيرن والأرغون إتسل، تلك المنظمات التي أصبحت لاحقا نواة جيش الاحتلال الاسرائيلي، وبين القدس الشرقية التي كانت آنذاك تحت السلطة المدنية الأردنية حتى عام 1967 .
خلال دوي صفارات الإنذار، ركضت إلى أقرب جهاز راديو من أجل التقاط بعض الأخبار حول ما يجري. كانت الأخبار المبكرة تذيع أن الحرب قد اندلعت بين الأردن ،مصر ،سوريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي .
وفي تلك المرحلة لم أكن أشعر بقلق بالغ إزاء ما يمكن أن يحدث حول منطقة مقر هيئة الأمم المتحدة، لأننا في ذلك الوقت كنا في منطقة محمية "منطقة الهدنة " هكذا اعتقدت . في حوالي الساعة التاسعة صباحا سمعنا صوت القنابل وقذائف الهاون والمدافع الرشاشة الثقيلة تدوي من مسافات قريبة من القدس. وكان كبير ضباط النقل، السيد هوفماير، ومسؤول الإدارة العليا، السيد دنيس هولاند، ونائب رئيس موظفي الإدارة الدنماركي السيد هاني بيور، من كبار ضباط الجيش، قد طلبوا منا ملئ جميع المركبات والمقطورات بالوقود، وأعلنوا حالة تأهب قصوى في صفوف جميع الموظفين لحالات الطوارئ. وأمرنا السيد هولاند بالذهاب إلى الملاجئ للحماية من القنابل في حالة القصف الجوي أو إطلاق نيران المدفعية على مقر هيئة الأمم.
وفي الساعة العاشرة صباحا، جاءت الأوامر بضرورة إجلاء الجميع، الموظفين المحليين والدوليين وإخلاء المباني والعودة بالموظفين إلى بيوتهم.
وقد أمرني رئيس الأركان بالإنابة، العقيد جونسون، بقيادة جميع الموظفين المحليين إلى بيوتهم. كنت في ذلك الحين سائق الحافلة الوحيد مع رخصة قيادة منذ عام 1956، لذلك قررت المخاطرة بنفسي ونقلت جميع الموظفين المحليين من مقر هيئة الأمم إلى منازلهم تحت القصف العنيف .
بالإضافة إلى مؤهلاتي بقيادة الحافلة، كنت أيضا المسؤول عن جميع الموظفين في مخازن النقل، كما كانت لدي خبرة عسكرية ولهذا ساعدت في ترجمة الاتصالات العسكرية، خاصة وانني تلقيت التدريب العسكري مع الحرس الوطني الفلسطيني المحلي برتبة ضابط وايضا بالعمل الوطني.
كما أمرت بإعادة الحافلة إلى مقر هيئة الأمم، بعد أن أوصلت الموظفين المحليين بأمان إلى منازلهم لم اهرب الى بيتي بل سارعت الى مقر هيئة الأمم المتحدة في جبل المكبر لارجاع الباص على امل ان يتم نقلي بسيارة هيئة الامم الى بيتي وهذا لم يحصل.
وفي الطريق العودة إلى مقر الهيئة الأممية ، عبرت البوابة الشرقية إلى المقر ، ولكن قصف قنابل الهاون الثقيلة كان عنيفا لدرجة انه منعني من الوصول إلى مكان وقوف السيارات. ولهذا قررت إيقاف الحافلة جانبا، وركضت إلى مكتب وورشة قسم النقل ، حيث وجدت السيد كازو أوبه ياباني الجنسية ينتظرني.
وفجأة، سقطت قذائف أخرى على بيت الحكومة التابع لهيئة الأمم من الجانب الإسرائيلي، وقصفت الحافلة التي كنت اسوقها قبل بضع دقائق، واحترقت بالكامل.
وفي حوالي الساعة الحادي عشر قبل الظهر، دخلت القوات العسكرية الأردنية و”الكوماندوز” البوابة الشرقية وتولت السيطرة على محيط مباني الحكومة، بما في ذلك المبنى الرئيسي وأسطح المقرات التابعة للهيئة الدولية. حينها أخذ الجيش الأردني من قيادة حرس هيئة الأمم المتحدة وحدة اتصال موتورولا من مكتب العمل الذي كان يعمل فيه السيد جون تسوكياس، وذلك لمنعنا من مواصلة الاتصال مع الإدارات الأخرى في المقر. وللتاريخ نقول انه قبل 5 حزيران 1967، وبالتحديد في 4 حزيران 1967، قامت القوات العسكرية الإسرائيلية المتقدمة على خط الحدود "منطقة الهدنة" بإثارة الحرس الوطني الفلسطيني والقوات الأردنية، بعد انتشار تقارير الاستخبارات الإسرائيلية المزيفة التي بثها الاتحاد السوفيتي ونشرته إسرائيل عن قوات عسكرية ضخمة على كل من الجبهات السورية والمصرية. ولسوء الطالع نجح الإسرائيليون في تضخيم الدعاية الحربية ومباغتة ومهاجمة الدول العربية الضعيفة والوقوع في مستنقع حرب عام 1967 وأثارها وما نجم عنها من تبعات كارثية.
حينها قطعت الكهرباء عن جميع إدارات هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة وأمام البوابة الرئيسية، يمكن أن نرى جنود أردنيين يقومون بحفر الخنادق وإطلاق النار باتجاه قوات الاحتلال الإسرائيلية ، وقد طلب رئيس الأركان، الجنرال أود بول، الذي عاد حينها إلى دار الحكومة، من العقيد جونستون ومني لقاء الضابط الأردني المسؤول الرفيع المستوى والطلب منه عدم دخول مقر هيئة الأمم. وأخبرته بالعربية أن المنطقة التي كان قد أخذها للتو تنتمي إلى هيئة الرقابة الدولية للأمم المتحدة وأنها محمية من نيران المدفعية.
بعدها جاءت المزيد من القوات الأردنية الى داخل دار الحكومة وبدأوا بإطلاق النار بمدافع عيار 106 ملم ومدافع هاون على موقع للجيش الإسرائيلي خارج دار مقر هيئة الأمم المتحدة ، وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر قام جنود الوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي باقتحام مقر هيئة الأمم المتحدة ، و عبور البوابة الرئيسية بالدبابات وأطلقوا النار على المواقع الأردنية داخل دار الحكومة بعد أن حاصروا القوات الأردنية. وطبقا لشهود عيان فإن الدبابات الاسرائيلية التي جاءت من خلف القوات الأردنية كانت مموهة برموز وعلامات عراقية، كما ان الجنود الاسرائيليين كانوا متخفين في زي عراقي.
وقد خدع السكان والجيش الأردني أيضا بلغة الجنود الإسرائيليين الذين تكلموا العربية بطلاقة، كانوا يعتقدون أن الكتيبة العراقية قد جائت لإنقاذهم.
ولكن للأسف ففي الساعة الثالثة بعد الظهر، احتل الإسرائيليون المبنى الرئيسي التابع لهيئة الرقابة الدولية للأمم المتحدة وتم اعتقالي مع طاقم الموظفين الآخرين وعددهم أكثر من خمسة .