- 31 آب 2024
- مقابلة خاصة
القدس - أخبار البلد - كتب المحرر الثقافي
تستمر جريدة " أخبار البلد" المقدسية بإعادة نشر يوميات الروائي والأديب والكاتب والناقد " محمود شقير" صاحب البصمة الواضحة في الأدب عامة وفن القصة القصيرة بشكل خاص والذي كتب عن القدس بطريقته المميزة، فكانت المدينة التي عاش واحب وعاد لها، ويقضي أيامه في أحضانها كاتبا ناقدا حاضرا اجتماعيا وثقافيا، لا يفكر بمغادرتها ولو لفترة قصيرة فهو لا يطيق البعد عن معشوقته القدس بعد أن اجتمع بها.
انه العشق الذي لا يعرفه إلا أهل القدس فقط . .
هذا الجزء الثاني من تلك اليوميات
صباح الجمعة 10 / 5 / 1996 ذهبت إلى مقر وزارة الثقافة في رام الله لحضور اللقاء الثقافي مع محمود درويش. كان اللقاء غنياً بالحوار. وقد شارك فيه حوالي سبعين كاتبًا/ة وفنانًا/ة، بحضور ياسر عبد ربه وزير الثقافة، ويحيى يخلف وكيل الوزارة. صدر العدد الثاني من دفاتر ثقافية وقمنا بتوزيعه على المثقفين الذين جاءوا للقاء مع محمود درويش. العدد الثاني أثار ارتياحاً لدى الكثيرين، وهو أفضل من العدد الأول. في اليوم التالي بقيت في مكتبي بالوزارة حتى المساء. قرأت بعض مواد العدد الثاني من دفاتر ثقافية للتأكد من عدم وجود أخطاء مطبعية. في تمام الثامنة، كنت عند مدخل مطعم البردوني، حيث دعتني "هيئة حقوق المواطن الفلسطيني" إلى حفل عشاء تقيمه على شرف محمود درويش. وجدت عند الباب الإذاعي يوسف القزاز. دخلنا معاً. كان هناك العديد من الزملاء والأصدقاء، منهم: بشير البرغوثي، عبد الجواد صالح، أحمد هاشم الزغير، أحمد البطش، فيصل الحسيني، علي الخليلي، د. علي الجرباوي، عزت الغزاوي، المتوكل طه، وليانة بدر. أجرى التلفاز الفلسطيني لقاء قصيراً معي حول أهمية عودة درويش إلى أرض الوطن؛ تحدثت عن ذلك. وكنت اتفقت مع محمود على نشر الحوار الذي جرى معه في مقر الوزارة مضافاً إليه الحوار الذي جرى معه في الإذاعة الفلسطينية، في العدد الثالث من دفاتر ثقافية. عدت إلى البيت في الثانية عشرة ليلاً.
***
في تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر الأحد 12 / 5 / 1996 جاءتني سيارة من حيفا وذهبت مندوباً عن وزارة الثقافة للمشاركة في افتتاح شهر الثقافة العربية ومعرض الكتاب الذي يقام في بيت الكرمة؛ وكان معي الفنان زهير النوباني. وجدت هناك: محمد على طه، أنطوان شلحت، سميح القاسم، نبيه القاسم، قاسم شعبان، وآخرين. ألقيت كلمة مرتجلة في الافتتاح لاقت ارتياحاً لدى الجمهور، انتقدت فيها الذين يفضلون دوي الطائرات الحربية على صوت الموسيقى، وطالبت برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع. بعد الاحتفال، ذهبنا أنا وأنطوان وقاسم إلى مطعم شكسبير، تناولنا طعام العشاء. ثم اتجهنا إلى فندق دان بانوراما على جبل الكرمل. قضيت ليلة في غرفة في الطابق السابع عشر من الفندق، حيث كنت أرى الأضواء اللامعة تنتشر على قمة الجبل وسفحه، مضفية على ليل حيفا شاعرية وجمالاً. استيقظت صباحًا في تمام الساعة الثامنة. اغتسلت ولبست ملابسي ثم اتجهت إلى مطعم الفندق. تناولت طعام الفطور.
ذهبت صحبة أحد العاملين في بيت الكرمة إلى معرض الكتاب. انتقيت بعض الكتب الأدبية والتراثية (بينها ديوان المتنبي) قدمتها الإدارة هدية لي. في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف ركبت السيارة عائداً إلى رام الله ثم إلى القدس.
***
هذا اليوم الخميس 16 / 5 / 1996، بعد يوم من ذكرى النكبة، احتفل الإسرائيليون بذكرى "تحرير" القدس. امتلأت المدينة وما حولها بالجنود وبرجال الشرطة، ما اضطرني إلى تغيير الطريق وأنا عائد إلى البيت، حيث كانت حواجز كثيرة في الطرق. تسامرت بعض الوقت مع الوالد والوالدة. الوالدة قدمت لنا عصير البرتقال. تحدثنا في أمور عادية.
تصفحت جرائد اليوم. تفرجت على مباراة النادي الفيصلي الأردني مع نادي الرياض السعودي بكرة القدم. فاز الفيصلي وكانت المباراة قوية ممتعة. قرأت عدة ساعات في رواية "مسك الغزال" لحنان الشيخ التي تتحدث فيها عن قمع المرأة العربية في مجتمع الصحراء. الحفيد محمود تسامر معي عدة دقائق في المساء. فرحت لما يتمتع به من ذكاء، لكنني أشفقت عليه لأنه لا يتكلم حتى الآن.
***
إنه يوم الجمعة.
استيقظت في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً. تفقدت ما يحيط بالبيت من أشجار وورود. أسفت لشجرة الليمون التي يتساقط الحب عنها قبل أن يكبر. أزلت بمقص التقليم بعض الأغصان الزائدة من تحت شجرة الزيتون. تسامرت مع الحفيد محمود قليلاً، حاولت تعليمه بعض الأحرف، لكنه لا يتقدم إلا ببطء شديد. جاء ابني أمين وولده بشار إلى البيت. لاعبت بشار بعض الوقت. وضعت جهاز التليفون أمامه وراح يحرك قرصه مبتهجاً بذل
ك. جاء محمود وأخذته الغيرة، وأخذ يشاركنا اللعب. لم أغادر البيت طوال هذا اليوم. الساعة الآن تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل، سأقرأ حتى الواحدة والنصف ثم أنام.
***
وأنا في مكتبي بالوزارة، شعرت بدوخة في الرأس. هذا العارض الصحي جاءني عدة مرات خلال الأسابيع الماضية. لم تنفع الأدوية. أكتب الآن والطوق الطبي على رقبتي. أشعر بإرهاق، وأكاد أنسى أسماء الناس الذين أعرفهم. ذهبت في المساء إلى مسرح السراج في رام الله. هناك، كان الممثل زهير النوباني وبقية طاقم مسرحية "ديموقراطي بالعافية" والمخرج وليد عبد السلام. تحدثنا عن إجراء اختصارات على المسرحية تمهيداً لعرضها من جديد. كانت في المسرح فتاة اسمها "ضحوك" جاءت ضمن المجموعة التي اتفق معها زهير لإجراء عملية تسويق للعروض القادمة.
بدت الفتاة متحمسة لأداء المهمة الموكولة إليها. غادرت المسرح إلى البيت، وأنا أشعر بالتعب، وبشيء من الأسى.
في الطريق توقف المذياع الذي في سيارتي عن البث. يبدو أنه احترق، واعتقدت أن وصلة الكهرباء الخاصة بالهاتف النقال هي التي أحرقته، إذا كان فعلاً قد احترق.
يتبع ….