• 28 أيلول 2024
  • مقابلة خاصة

القدس - أخبار البلد - كتب خليل العسلي : 

 " لقد ولدت وعشت في نفس المنزل  في جبل المكبر ويبدو أنني سأقضي ما تبقى من أيام عمري  فيه" ذلك البيت الذي شهد تعديلا وترميما،  والقابع في وسط أزقة وأحياء تدل على قدم الحي وعراقة سكانه الذي لم يتركوا بداية القدس منذ فجر الخليقة  .

 عند لقائه على مدخل البيت  كانت الابتسامة لا تفارق محياه وعيونه تشع نشاطا وحيوية ، ويده ممدودة  ترحيبا وكرما ،  وفي غرفة مكتبه الذي يضم المئات من الكتب الأدبية وغيرها من سير ذاتية تزاحمها  شهادات التكريم والدروع والجوائز، يقضي الروائي المبدع شقير معظم ساعات يوميه فهو من أصحاب العمل الصباحي الباكر حيث الهمة والنشاط قبل الانغماس في مشاغل الحياة اليومية.

 يبدأ عمله في الكتابة والتحرير والتدقيق في ساعات الصباح حتى ساعات الظهر المتأخرة  قبل أن يستريح قليلا فالعيون تتعب والظهر يؤلم . ومن ثم يقوم بواجباته الاجتماعية في جميع أنحاء القدس  وخارجها  من مشاركة في فرحة ومواساة في حزن أو عيادة مريض او لقاء صديق، ولهذا وكما قال انا مشغول طيلة اليوم 

 هذه المرة هي الرابعة او الخامسة التي أسسها فيها مكتبة خاصة ، فكل المكتبات الشخصية السابقة اختفت في نفس اللحظة التي غادرت فيها المكان ، نحن يا صديقي عشنا متنقلين من عاصمة إلى أخرى من القدس إلى عمان إلى براغ وغيره وعودة  الى القدس ،  وفي كل مكان كنت اجمع المئات بل الآلاف من الكتب فأنا قارئ نهم لا اعرف حدودا للقراءة  فكل حرف يحكي لي حكاية وكل فقرة هي رواية بالنسبة لي .

 حديثه لطيف ينساب مثل الماء في جدول صغير وسط غابة خضراء، كله تفاؤل ومحبة،  كما انه مستمع جيد طويل البال  ينصح ان كانت حاجة لذلك .

 لقد شاهدت السعادة تملأ وجهه وهو يحمل بيده كتابه " سقوف الرغبة" الذي قامت دار باب العامود للنشر والتوزيع ومقرها في اسطنبول بترجمته إلى التركية  ليكون الكتاب الأول الذي ترجم ونشر باللغة التركية وكأنه أول كتاب له رغم أن لديه قرابة التسعين كتابا ترجم منها الكثير الى لغات مختلفة ، ولكن عشقه للكتاب والكتابة لا يوصف ، بل يثير الغيرة ..

في زاوية المكتبة يقبع مكتبه المتواضع وعليه جهاز الكمبيوتر والذي اعتبره نعمة كبيرة ساهم بزيادة انتاجه الادبي المميز  ويقول : 

"  لقد أعطاني الكومبيوتر فرصة كبيرة ممتازة للإنجاز، كنت  في الماضي اكتب باليد وهذا كان متعبا كثيرا وفي بعض الأحيان كنت اهرب من الكتابة بسبب الإرهاق ، بعد ذلك بدأت أكتب بقلم رصاص حتى اتمكن من  التصحيح والمسح والاضافة، ولكن الان اكتب مباشرة وأزيل ما اريد واعيد الكتابة قدر الامكان 

 " مع التقدم بالعمر وتعب العيون التي ارهقها صاحبها من كثرة القراءة والكتابة، فإن الجلوس امام الجهاز متعب للعين واليد والالم الظهر…

 انا لا اريد ان توقف عن الكتابة لو لساعة واحدة لهذا فأنا توقفت عن السفر والمشاركة  في الاحتفالات واللقاءات الأدبية والثقافية لقد هرمت يا صديقي، ولم اعد اتحمل السفر ومشاقه ، ناهيك  عن ان السفر يبعدني عن الكتابة كما انه يبعدني عن القدس التي أعشق.

معروف ان الروائي محمود شقير يعتبر صاحب أسلوب مميز في الكتابة وخاصة كتابة القصة القصيرة والقصيرة جدا  التي يعتبر هو رائدها في العالم العربي ، ناهيك عن حبه للكتابة للأطفال اليافعين وله في ذلك عدة كتب  ، اضافة الي مساهمة في الكتابة المسرحية .

 بعد تناول طعام الغداء الذي اصر على ان يكون جزءا من لقاءنا وهذا دليل على كرم اهل القدس أو كما يسميهم اهل بادية القدس اكد لي ان هناك المزيد من انتاجه الادبي قادم بالطريق، نظرت اليه وكلي رغبة حقيقة بأن أملك جزء  بسيطا من رغبته الجامحة في الكتابة وفي توثيق القدس  والذي قال عنها في  مقابلة مع صحيفة "الوطن" العمانية عام ٢٠٢١ "  للمكان حيّز كبير في قصصي ورواياتي، وحين تعلم أن مكاني الأوّل الذي أظل مشدودًا إليه مهما ابتعدت هو مدينة القدس التي تتعرض الآن للتهويد وللأسرلة فإنك ستدرك لماذا أهتمّ بالمكان، ولماذا أسعى دومًا إلى تثبيت الهوية الأصلية لهذا المكان بصفته مكانًا فلسطينيًّا أصيلًا بثقافة عربية فلسطينية إسلامية مسيحية" 

إنها القدس التي تجمعنا والقدس هي التي نستظل بظلها والقدس هي التي سوف تحتضن أجسادنا ذات يوم، ولهذا يجب ان نوفيها حقها  وأن نروى حكايتها للأجيال القادمة .

 ودعت الروائي والأديب والقاص الأستاذ محمود شقير على باب منزله كما استقبلني بنفس الروح وبنفس الترحيب وبنفس الامل.