- 2 تشرين أول 2024
- مقابلة خاصة
القدس - أخبار البلد - كتب المحرر الثقافي
تنشر جريدة " أخبار البلد" المقدسية الجزء التاسع من دفتر يوميات الروائي والأديب والكاتب والناقد المقدسي " محمود شقير" صاحب البصمة الواضحة في الأدب عامة وفن القصة القصيرة جدا والذي يعد من رواها في العالم ، تلك اليوميات التي تدخل القارئ إلى جو من اجواء القدس الجميلة بحلوها ومرها فهي بمثابة شهادة على فترة عشناها وعاشتها فلسطين .
الروائي الكبير خص قراء " أخبار البلد" بهذا الجزء من اليوميات الممتعة التي تحمل الكثير من الوقائع والأحداث الثقافية وغير الثقافية في المدينة التي كتب عنها الأستاذ شقير بطريقته المميزة، فكانت المدينة التي عاش واحب وعاد لها، ويقضي أيامه في أحضانها كاتبا وناقدا حاضرا اجتماعيا وثقافيا، لا يفكر بمغادرتها ولو لفترة قصيرة فهو لا يطيق البعد عن معشوقته القدس بعد أن اجتمع بها.
انه العشق الذي لا يعرفه إلا أهل القدس فقط . .
الاثنين 7 / 10 / 1996 جاء زكريا محمد إلى مكتبي. تحدثنا عن العدد القادم من دفاتر ثقافية. تحدثنا عن سوء التفاهم الحاد بين زميل وزميلة لنا في هيئة تحرير المجلة. اتفقنا على أن يقوم زكريا بالتدخل لحل الإشكال. حدثت زكريا عن تجربتي الأولى في النحت. كانت التجربة غير مشجعة.
نصحني بأن أواصل العمل دون يأس. وقال إن ثمة حجارة يمكن العمل عليها بالمبرد والسكين. جاء عزت الغزاوي رئيس اتحاد الكتاب، ووضعنا التفاصيل لورشة عمل مشتركة حول أدب الأطفال، ثم ذهبنا إلى مكتب يحيى يخلف لمتابعة الاتفاقية التي اعددناها سابقاً بين الاتحاد والوزارة. جاء نعيم الأشهب. ثم ذهبنا معاً لمقابلة الوزير ياسر عبد ربه. حدثنا ياسر عن مفاوضات واشنطن التي شارك فيها.
سلمناه كتاب الدعوة للاحتفال بالذكرى العشرين لرحيل فؤاد نصار الذي سيقام بتاريخ 14 / 10 / 1996 في رام الله، لكي يلقي كلمة في الاحتفال.
جاء زهير النوباني. تحدثنا حول فكرة تحويل مجموعتي القصصية "طقوس للمرأة الشقية" إلى مسرحية، ثم دعوته على الغداء في مطعم شقيرة في الحي القديم بمدينة رام الله.
***
الجمعة 11 / 10 / 1996 الساعة الآن الثانية عشرة والربع ليلاً. انتهيت قبل قليل من كتابة مقدمة لمجموعة قصصية للكاتبة إيمان بصير موسومة ب "خاطئة" وهي قصص جيدة عموماً. (هناك قصص ضعيفة وتكاد تكون مجرد خواطر أكثر منها قصصاً، لكنها قليلة في المجموعة). قبل ذلك كتبت افتتاحية العدد السادس من "دفاتر ثقافية". كتبت عن الهبة الشعبية الأخيرة ودور المثقفين في هذه المرحلة. هذا اليوم بقيت في البيت. تناولت طعام الغداء في بيت أخي الدكتور محمد شقير، حيث أولم وليمة للأخت فاطمة وزوجها القادمين من الزرقاء.
أتممت أثناء النهار قراءة مسرحية "الحبل المتهدل" للكاتب الاسباني فرناندو أرابال. في مثل هذا اليوم من العام 1959 بدأت حياتي الوظيفية، مدرساً في مدرسة خربثا بني حارث الأبتدائية.
كنت أضرب التلاميذ بالمسطرة على أياديهم، وأنا نادم على ذلك الآن. ومن المؤكد أن إحساسي بالقرية الفلسطينية الذي تبدى في مجموعتي القصصية "خبز الآخرين" نابع في الأساس من هذه القرية الوادعة التي أحببتها وأحببت أهلها.
***
الاثنين 14 / 10 / 1996 أقام الحزب على مسرح السراج في رام الله، حفلاً في مناسبة الذكرى العشرين لرحيل فؤاد نصار (الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني). كنت مديراً للحفل الذي تحدث فيه: د. حيدر عبد الشافي. فائق وراد. عبد الجواد صالح. توفيق طوبي. وبشير البرغوثي. حضر الحفل حوالي أربعمائة شخص. ألقيت كلمة قصيرة ثم قمت بتقديم المتكلمين بكلمات لائقة. لاحظت الدموع تسح من عيني رقية النجاب، زوجة فائق وراد وهو يلقي كلمته بشكل مرتجل.
كانت كما يبدو دموع الفرح لأن زوجها الذي يعاني من المرض، ما زال قادراً على أداء دوره في الحياة العامة، وهي أيضاً - كما أعتقد - دموع الحزن على هذا المناضل الذي كانت له تضحيات جمة، لكنه الآن غير قادر على القيام بأعباء كبيرة بسبب المرض.
وفي كلتا الحالتين فقد استنتجت أنها متعلقة بزوجها، مخلصة له، مقدرة لوضعه الصحي، معتزة بتاريخه النضالي.
***
السبت 19 / 10 / 1996 قرأت مخطوطة روائية للكاتب يحيى يخلف موسومة ب "نهر يستحم في البحيرة" هي أشبه ما تكون بالسيرة الذاتية، حيث يجري التركيز على شخصية الراوي - البطل- أما الشخصيات الأخرى فلم تنل حظها الكافي من الاهتمام. مضمون الرواية ينحاز لجهة الرفض بسبب التعنت الإسرائيلي.
الرواية تغلق الباب أمام التعايش بسبب هذا التعنت، وفيها بعض الشعارات المباشرة مثل:
ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. مع ذلك، فإن لغة السرد فيها جميلة، وهي مليئة بالتفاصيل المحببة، وتتجلى الذاكرة الفلسطينية التي تزخر بتفاصيل التفاصيل عن الوطن.
***
الاثنين 4 / 11 / 1996 انتهينا من قطف زيتوننا. شاركت مع العائلة في هذه العملية الممتعة بالنسبة لي. واليوم ذهبت أنا والوالد إلى معصرة بيت جالا لكي نعرف متى يحين دورنا في عصر الزيتون.
أعادنا الجنود الإسرائيليون المرابطون على مدخل بيت لحم، بسبب إجراءات الحصار المشدد المفروض هذه الأيام على المدن الفلسطينية، خوفاً من عمليات تفجير يقوم بها أعضاء الجهاد الإسلامي ضد إسرائيل في مناسبة مرور عام على قيام الموساد الإسرائيلي باغتيال د. فتحي الشقاقي، زعيم الجهاد، في مالطا، أثناء عودته من ليبيا.
خلال الأسبوعين الماضيين، قرأت مسرحيتين لجورج شحادة هما "السفر" و "سهرة الأمثال" وقرأت روايتين للأطفال للكاتبة السويدية أستريد لندجرين وهما "الأخوان" و "ميو يا ولدي" وقد أعجبتني قدرة المؤلفة على التحليق بعيداً في عالم الخيال.
أصدرنا العدد السادس من "دفاتر ثقافية" وكانت ردود المثقفين عليه جيدة.
***
الاثنين 11 / 11 / 1996 انتهيت من قراءة رواية "صخب البحيرة" للكاتب المصري محمد البساطي. رواية مكثفة، ممتعة تشتمل على درجة عالية من التجريد الشفاف. تسامرت مع الحفيد محمود بضع دقائق. وجدت أنه تعلم كلمة جديدة: "مات" ترددت هذه الكلمة أمامه خلال اليومين السابقين بسبب وفاة أحد الأقارب.
دخلت إلى غرفتي للقراءة. بعد دقائق، سمعت النساء يتصايحن في الخارج. خرجت مسرعاً وأنا أتساءل عما حدث.
كان الحفيد محمود قد صعد إلى سطح البيت، وسقط على الأرض بين اسطوانة الغاز وحوض الزهور. دمه يسيل من رأسه.
سارع أبوه وجدته إلى نقله بالسيارة إلى مستشفى المقاصد في القدس. لحقت بهم في سيارتي ومعي الوالد وأم الولد. كنا قلقين عليه والدموع تتجمع في عيوننا. بعد ذلك، طمأننا الأطباء:
ليس ثمة خطر. ولقد نجا محمود بأعجوبة لأنه سقط في حوض الزهور.
يتبع...10