- 10 تشرين أول 2024
- مقابلة خاصة
بيت جالا - اخبار البلد - كتب محمد الشنطي
من منا لم يقدم هدية لضيوفه من الاقارب او الاصدقاء من خشب الزيتون، من منا لم يقتنى في منزله قطعة خشبية فنية من خشب الزيتون ، لا تزال تماثيل الجمال الصغيرة جزء من ذاكرتنا من الماضي الجميل ، حيث كانت هذه التحف التي صنعت بأيدي مهرة تزين بيوت المقدسيين والفلسطينيين عامة ،
ان فلسطين تمتاز بطبيعتها الخلابة ووفرة الأشجار المثمرة والمعمرة، وبالتحديد أشجار الزيتون المباركة التي باركها الله عز وجل، في كتابه العزيز حيث قال تعالى:
«والتين والزيتون وطور سنين».
فبالاضافة الى الاستفادة الفسيولوجية للإنسان، من زيت وزيتون هناك فوائد أخرى لهذه الشجرة المباركة تطال ميدان الفنون التطبيقية والحرفية، فقد من الله عز وجل علينا هذه النعمة الطبيعية لتكون مصدراً من مصادر الإلهام والابداع اليدوي، وكثيرون يتساءلون من أين تلك المجسمات الجميلة والتماثيل الخشبية ذات المهارة العالية التي تزين حوانيت التحف في أسواق البلدة القديمة في القدس ؟
الجواب هو: إن المصدر لتلك الإبداعات هي أشجار الزيتون المباركة والتنفيذ باليد الفلسطينية الخلاقة التي تحولت قطعة الخشب المباركة الى تحفه فنية تحكي حكاية فلسطين عامة ، تلك الأيدي المهنية التي تملك الإلهام والمعرفة فهي تعرف كيف تخاطب قطعة الخشب بلغة مفهومة بينهما والنتيجة ايقونات فلسطينية من خشب باركه الله ، هذه الأيدي يجب المحافظة عليها من اجل الاستمرارية في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الممتد جذوره من عبق التراث الشرقي الاصيل ،
جريدة « أخبار البلد » المقدسية في جولتها بحثا عن الجمال والعراقة والفن والتراث في محافظة بيت لحم التي نظمها مركز التراث الفلسطيني، حلت ضيفة على أسرة مشغل اللولص في مدينة بيت جالا للاطلاع هناك على مجريات الفنون الحرفية ودور الأخشاب الزيتونية في صياغة المشهد الفني الإبداعي في فلسطين.
بداية الحكاية :
تبدأ حكاية العشق لخشب الزيتون من عائلة لولص من مدينة بيت جالا التي كانت تقطن في بلدة عين كارم غرب القدس والتي امتهنت حرفة فنون أخشاب الزيتون منذ أكثر من مائة عام، وتناقلتها الأجيال وما يميزها هو إخراجها مجسم الجمل الشهيرة والذي لا زال عندنا في منازلنا ذلك المجسم من اهم المجسمات التراثية التي لاقت رواجاً كبيراً في تلك الفترة وحتى وقتنا الحاضر، حين تم عرض المجسمات الخشبية في أسواق القدس حين ذلك وأصبحت هناك رغبة حقيقية لتعلم هذا الفن، مما حدى بالعائلة البجالية الأصل إلى تعليم حرفيين من مدينة بيت جالا من بينهم الحرفي سامي اليتيم وسامي لولص، حيث قاما بنقل هذه المعرفة الى الكثير من الشباب ومن ثم انتشرت هذه الحرفة الفنية الى وقتنا الحاضر.
عدد الحرفيين بالاخشاب:
وفق أقوال العديد من الخبراء في هذا المجال فإنه كان في مدينة بيت جالا أكثر من سبعة وثلاثين محالاً تجارياً مخصصاً بهذه الحرفة وخاصة مجسم الجمال الخشبية، أما في وقتنا الحاضر فإن عدد الحرفيين الفنيين في هذا المجال لا يزيد عن سبعة أفراد وهذا بالطبع ما يدعو للأسف والخوف من اختفاء هذه الحرفة الفنية اليدوية، بالاضافة الى عدم رغبة الأجيال الشابة تعلم والاهتمام بهذه الحرفة وعدم تقديرهم لأهمية هذه الفنون الحرفية وانشغالهم بأمور حياتية معاصرة بعيدة كل البعد عن مكونات التراث والهوية الثقافية.
مراحل فنية للمجسمات:
إذا توفرت الظروف المناسبة فإنه يمكن إنتاج أكثر من خمسين قطعة خشبية في اليوم الواحد وضمن أحجام مختلفة صغيرة ومتوسطة.
وبعد سؤال الكثيرين والاطلاع على طريقة العمل يمكن القول ان مراحل إنتاج هذه المجسمات الابداعية هي خطوات تحتاج الى تقنية عالية والى الأدوات المناسبة والى الصبر والاهم من كل ذلك تحتاج الى العشق تتمثل مراحل العمل لإنتاج مجسمات خشبية بالخطوات التالية:
اولاً يتم جمع أغصان خشب الزيتون الخام.المناسبة ووضعها في المخزن المخصص لذلك لمدة أربعة أشهر. ومن ثم القيام بقص وتفصيل الخشب على المنشار الخاص ، الى ان نصل الى القياس المطلوب للمجسم من حيث الطول والعرض والارتفاع وقد يكون المجسم الخشبي الجمل-الحمار-أشجار صغيرة وغيرها.
علماً بأن قطع خشب الزيتون لها سماكة معينة، بعد ذلك يتم تحضير الشبلونة ( النموذج) المصممة مسبقاً ومن ثم يتم وضعها على قطعة من الخشب المفضلة ومن ثم نرسم عليها الشكل الفني المراد عمله. وهنا تبداء عملية تكوير القطعة الخشبية وقصها ونشرها على قياس الشبلونة الفنية بواسطة المنشار.
استخدام آلة خاصة تعرف باسم الفريزا والتي من خلالها نقوم بضرب المجسم الذي أصبح مفصلاً من خلال الشبلونة ، وقبل ذلك نقوم بتفريغ الخشب حسب الشكل الفني على المنشار، لتصبح بعد ذلك قطعة الخشب ذات أسطح مثلثة متناسقة، وبعدما نقوم بوضع قطعة المظهرة لضرب الخشب بها عدة مرات في أماكن مختلفة من المجسم الخشبي. وبذلك نحصل على شكل فني من الخشب مثل الجمل المطلوب. ليتم بعد ذلك عمل ذنب الجمل. وتنظيف وسنفرة الجمل. تنعيم المجسم الخشبي باستخدام ورق الزجاج. وتفصيل التفاصيل الخاصة بالمجسم وفرز أجسام الجمل بعناصره المختلفة بدقة عالية وتقنية نوعية. نقوم بطلاء الجسم الخشبي بمادة اللكر الشفاف. نضع قطعة اضافية من القماش المزركش على ظهر الجمل الخشبي لإضفاء جمالية خشبية متناغمة من القماش.
الخامات المستخدمة:
بخصوص المواد المستخدمة فهي بالتأكيد خشب الزيتون الخام والمعد فيما بعد لعمل المجسم. آلات اليدوية مثل المنشار الصيني الخاص وبراغي ومسننات مختلفة لتناسب كل الاحجام. اضافة الى الغراء الشامي او الغراء الفرنساوي أي المادة اللاصقة. خامة اللكر الملمع. ماكينة بريج، منشار الحبل ، آلة شلايف للتبريخ ومسح اللوحات.
مصاعب وتحديات:
تتمثل المصاعب والتحديات الخاصة بهذه المهنة بالنقاط التالية:
عدم تشجيع التجار المحليين للحرف اليدوية، واستغلال جهد الحرفيين الفنيين بأبخس الأثمان مقابل الحرفية العالية والاهمية المتمثلة في هذا العمل للحفاظ على الإرث الثقافي ، وهنا يجب ان ياتى دور وزارة السياحة بان تولى اهمية خاصة لهذا النوع من الحرف التراثية قبل انقراضها، لينقرض معها جانب من الهوية الثقافية التراثية لفلسطين . ناهيك عن التكلفة العالية للمواد المستخدمة في هذه الصناعة .
والذي يزيد من صعوبة هذه المهنة النظرة العامة باعتبار هذه المهن وكأنها شيء عادي وليس قيمة فنية مستمدة من جماليات التراثية مما خلق توجها عاما بعدم الاهتمام بالصناعات والحرف التقليدية اليدوية.
المنافسة مع الأشغال المستوردة من الصين ودول العالم بالرغم من تكلفتها بالدولار الأمريكي.
ناهيك عن أحوال الطقس التي قد تؤثر سلبا على جودة خشب الزيتون مثل كثرة الثلوج وغيرها
الاشكال الفنية :
أما فيما يتعلق بالأشكال الفنية المنتجة من أخشاب الزيتون فهي على النحو التالي: مجسم مغارة الميلاد، الجمال، المواشي بشكل عام ، وتلك المجسمات تنتج بأحجام مختلفة وأشكال متعددة.
كلمة لا بد منها ان هذه الحرفة يجب ان لا تنقرض ولهذا يجب تظافر الجهود من اجل البقاء عليها ودعمها واعادة التأكيد عليها اهمية كرافد من روافد الموروث الثقافية الفلسطيني.