- 12 كانون الثاني 2025
- مقابلة خاصة
بقلم : إبراهيم درويش
عن أي عام ثقافي نريد الحديث؟ فالخسائر في 2024 كبيرة وفادحة إن على صعيد الرواية العربية بوفاة إلياس خوري، 76 عاما بعد صراع مع المرض في أيلول/سبتمبر وقبل أن يتعرض لبنان لهجوم إسرائيلي كاسح ودمار، أو الإبادة الثقافية والبشرية المستمرة في غزة.
فقد كان خوري قامة كبيرة في الرواية العربية، حيث انشغل مؤلف «باب الشمس» و«رحلة غاندي الصغير» و«يالو» وغيرها بهمين، وهما الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) والمأساة الفلسطينية منذ النكبة عام 1948. وفي عام 2017 أخبر صحيفة «الغارديان» «أحاول التعبير عن تشظي المجتمع».
وهل نتحدث عن القمع الثقافي وتواطؤ الإعلام ومثقفين في مذبحة الشعب الفلسطيني. وبالضرورة فقد كان عام 2024 هو استمرار المذبحة في غزة واستعانة إسرائيل بالإعلام والساسة من أجل الترويج لروايتها عن الإبادة. وهو عام رفض فيه فرع «بن/القلم» الأمريكي تقديم رؤية واضحة من الحرب في غزة، رغم احتجاج «بن الدولية» ومطالبتها بوقف إطلاق النار، واحتجاجات العاملين في «بن الأمريكية» مطالبين إدارة الفرع باتخاذ موقف ودعم وقف الحرب.
إبادة غزة
كل هذا رغم تجاوز عدد القتلى في غزة عن 44.000 شخص، من بينهم أجيال من الكتاب والمؤرخين والفنانين والعلماء وأساتذة الجامعات الذين خلفت وفاتهم ثغرة واسعة في النسيج الاجتماعي الفلسطيني وفي قلوب الناس الذين تأثروا بهم وكانوا مصدر إلهام لهم. ولا نستطيع إحصاء عدد المبدعين الذين قتلتهم إسرائيل باستخدام السلاح الأمريكي والغربي عامة. فهل نتذكر الفنان محمد سامي قراقع أم هبة أبو ندى، الشاعرة والتي كتبت في إحدى قصائدها الأخيرة، «أعيذُكِ»، في 10 تشرين الأول/أكتوبر وسط ضربات صاروخية، أم نذكر البرفسور سفيان تايه، الأستاذ الحائز على جوائز عالمية، والشخصية الشهيرة في مجال الفيزياء النظرية، والمهندس السابق رئيس الجامعة الإسلامية بغزة. أم الفنانة هبة زقوت والكاتب يوسف دواس والروائي نور حجاج والشاعر محمد أحمد والمصور رشدي السراج والفنان علي نسمان، والدكتور همام اللوح، أخصائي أمراض الكلى الوحيد في غزة. ومئات من الصحافيين والكتاب الذين شردتهم الحرب مثل مصعب أبو توهة. وبالنسبة للعديد من المثقفين الفلسطينيين فالحرب على غزة ومن فيها من مبدعين عززت مقولة الروائي الفرنسي جان جينيه، بعد مشاهدة آثار مذبحة مخيم شاتيلا في لبنان عام 1982: «إن النضال من أجل وطن يمكن أن يملأ حياة غنية جدا، ولكنها قصيرة».
القمع الثقافي
ولا يزال القمع الثقافي في الغرب مستمرا، ولعل أبرزه، برلين، حيث ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» (6/4/2024) أن العاصمة الألمانية كانت يوما عاصمة للحرية الثقافية لكنها بعد هجمات تشرين الأول/أكتوبر شهدت منع جوائز وإلغاء المؤتمرات والمسرحيات التي تمت إزالتها من البرامج. وقد اقترح المسؤولون الثقافيون الحكوميون ربط التمويل بما يقوله الفنانون والمؤسسات بالصراع. وامتلأت وسائل الإعلام ـ التقليدية والاجتماعية على حد سواء ـ بالإدانات العلنية لهذا الكاتب أو ذلك الفنان. وقد أدى مناخ الخوف والاتهامات المضادة إلى تعريض مكانة برلين باعتبارها عاصمة ثقافة دولية لخطر أكبر من أي وقت مضى منذ عام 1989. فقد كانت برلين ذات يوم المنارة الفنية لأوروبا بأكملها. وبالنسبة للعديد من الفنانين، وخاصة الأجانب الذين استقروا في برلين كمكان للحرية والغنى الثقافي، فإن بقاء المدينة كعاصمة فنية أصبح موضع شك، أو ربما انتهى بالفعل.
ولعل أغرب ما ورد في محاولة القمع والتبرير للإبادة، مقال لكاتب يهودي بريطاني اسمه هوارد جاكوبسن بصحيفة «أوبزيرفر» وصف فيه استمرار الحديث عن مقتل الأطفال الفلسطينيين بأنه مثل «فدية الدم» المعادية للسامية. وكرر كلامه في مقابلة غريبة مع مجلة «ذي نيويوركر» (14/10/2024). ولا ننسى الحملة والقوانين والإجراءات التي اتخذتها الجامعات الأمريكية والغربية لمنع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين ومشاركة المعلقين ومنها صحف مثل «نيويورك تايمز». هذا إلى جانب مساءلة وامتحان مدراء الجامعات في الكونغرس، بشكل ذكر بأجواء المكارثية في الخمسينات من القرن الماضي. ووصفت أستاذة جامعة في جامعة شيكاغو مختصة بتغير معاني حرية التعبير في الولايات المتحدة الوضع الذي ظهر فيما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة بأنه مثير للخوف «ويبدو وكأننا أمام مكارثية جديدة». وقالت جينيف لاكير في تصريحات لمجلة «بوليتكو» (4/11/2023) إن المناخ الجديد أثار مخاوفها. وجاء بعد سلسلة من التهديدات التي تعرض لها الكثير من العاملين في مجلات ومحطات تلفزة وطرد بعضهم لمجرد أنهم عبروا عن مواقف مخالفة للجنون الذي يمثله الساسة والإعلام الداعم للانتقام من غزة وسكانها.
ومع ذلك استمرت المقاومة الثقافية لكل محاولات إسكات مؤيدي فلسطين وداعمي الحرية والعدالة ووقف الحرب.
الرسالة
وتظل حالة الكاتب الأمريكي تانهيسي كوتس بارزة في تحولات هذا العام الثقافية من ناحية موقفه من القضية الفلسطينية والهجوم عليه من أطراف اليمين الأمريكي. وكتابه «الرسالة» يمثل تحولا مهما من مواقفه المؤيدة للصهيونية نحو مواقف تعبر عن التغيرات الأوسع في الولايات المتحدة من فلسطين وإسرائيل.
وقصة كوتس هي قصة عدد من الوجوه الأمريكية السوداء التي وجدت نفسها في المعسكر الخطأ، وقد اضطر عام 2017 إلى حذف حسابه على تويتر/إكس حاليا بملايين المتابعين عندما انتقده الأكاديمي والفيلسوف الأسود كورنيل ويست ووصفه بأنه «وجه الليبرالية الجديدة في الكفاح الأسود»، واختفى، وترك مجلة «ذي اتلانتك» التي يديرها حارس السجن الإسرائيلي السابق جيفري غولدبيرغ. وقد نشر كوتس في عام 2008 مقالا بعنوان «الزنجي يغني للصهيونية» وهو ترنيمة لإسرائيل.
لقد ظل كلام الصهيوني الجديد الذي تبناه تحت الشرط الذي يسميه الآن «الصهيونية الافتراضية»، يطارد ضميره منذ عقد من الزمان. فعندما يظهر اليوم في مقابلات عامة، يكرر القول: «أنا أشعر بالخجل».
وكان كتابه «الرسالة» بمثابة تحرره من الضلال، وجاء نتاجا لزيارته إلى فلسطين، استمرت عشرة أيام، وهي تذكر بزيارة ناشط أسود وهو مالكوم إكس لها في أيلول/سبتمبر 1964. وكان المقال الطويل الذي كتبه كوتس عن رحلته إلى فلسطين بمثابة نقطة تحرره من الكتابة الصهيونية. وقد تعرض كوتس لهجمات من مؤيدي إسرائيل والكتاب في الصحف الأمريكية الذين لاموه بأنه لم يستشر الإسرائيليين عندما كان في فلسطين وأنه وقع في مصيدة حماس، لكن أهمية ما كتبه كوتس، ليست للفلسطينيين الذين لديهم أصواتهم البلاغية القوية القادرة على التحدث نيابة عنهم أكثر بلاغة، ولكن بالنسبة للأمريكيين، لأن رسالة كوتس التصحيحية قد تلهم وتشير إلى تحول ثقافي أوسع نطاقا قد يتحرر من خلاله هذا البلد من لعنة الصهيونية.
ضد القمع
ومن جهة أخرى رفضت الروائية الحائزة على جائزة بوليتزر، جومبا لاهيري جائزة من متحف نوغوتشي في نيويورك بسبب سياسة جديدة تحظر الكوفية الفلسطينية، حيث قام المتحف، الذي أسسه النحات الأمريكي الياباني إيسامو نوغوتشي، بتحديث سياسة قواعد اللباس للموظفين، ومنعهم من ارتداء أي شيء يعبر عن «رسائل سياسية» أو يعرض شعارات أو رموزا سياسية.
وقائمة الذي رفعوا شعار المقاومة طويلة وتضم فنانين ومؤلفين وكتابا، ولعل أبرزهم الحائزة على جائزة تيرنر للفن، جاسلين كور التي طالبت بوقف إطلاق النار وظهرت عند تسلمها الجائزة المرموقة، على المنصة متوشحة بالعلم الفلسطيني. وهناك سوزان سراندون الممثلة المعروفة التي قالت في مقابلة مع صحيفة «صاندي تايمز»(10/11/2024) تعليقا على كلمة ألقتها في تجمع مؤيد للفلسطينيين في نيويورك، «تم استبعادي من وكالتي وسحبت مشاريعي» و«تم استخدامي كمثال لما يجب عليك تجنبه إن أردت مواصلة العمل». وقالت «هناك الكثيرين بدون عمل منذ تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، ممن خسروا عملهم كحراس وكتاب ورسامين وعمال في الكافيتريا ومعلمين بدلاء ممن عزلوا من عملهم بسبب نشرهم تغريدة أو أعجبوا بتغريدة أو دعوا لوقف إطلاق النار».
في الرواية
وبعيدا عن مأساة الثقافة في ظل حرب غزة، لا بد وان نذكر أعمالا مهمة صدرت هذا العام، فقد رشحت رواية هشام مطر، «أصدقائي» في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2024 ولكنها لم تصل للقائمة النهائية. وهذه هي المرة الثانية التي ترشح فيها رواية لمطر، الكاتب الليبي الذي حاز على جائزة بوليترز العريقة عن رواية «العودة: الآباء والأبناء والوطن بينهم» التي يندب فيها وطنه ووالده الذي اختفى في ظل حكم معمر القذافي ولم يعرف له أي خبر. وكانت رواية مطر الأولى «في بلد الرجال» التي رشحت لجائزة بوكر. ويعود بعد 13 في روايته «الأصدقاء» إلى موضوع المنفى والاقتلاع والعزلة والحزن الشامل. وهي أيضا بحث في جوهر، فالموضوع يفتنه ويشكل عالمه بعمق، كشخص عاش بعيداً عن أسرته منذ كان في الخامسة عشرة من عمره. وقال مطر في مقابلة مع جومانا خطيب لصحيفة «الغارديان» (10/1/2024) إن «العلاقات تجعلنا أحياء». وأضاف أن الصداقة على خلاف العلاقات الأسرية أو العلاقات الرومانسية المثقلة بالتوقعات و«عادة ما يكون لدينا أكثر من علاقة. وعادة ما نقيمها في نفس الوقت، وإذا كنا محظوظين، فقد تكون هذه أطول علاقاتنا».
عيادة الثائر
لا يزال فرانز فانون الجندي الفرنسي من جزر مارتينيك الذي فر من جزيرته وهو في عمر السادسة عشرة للانضمام إلى جيش شارل ديغول والدفاع عن فرنسا مهما في الحياة الثقافية العالمية، وذلك ناجم عن تحولاته الفكرية والأيديولوجية ورؤيته للامبريالية وأثرها على المستعمر والمستعمر. وقد انتهى به الأمر على الجانب الآخر من الثورة، معارضا ومدافعا عن أساليب الثورة، فكان الوحيد من بين المثقفين الذين دعموا عملية تفجير مقهى ميلك بارك في الجزائر في أيلول/سبتمبر عام 1956 واعتبره من «التداعيات المنطقية» لعملية القتل المنظم التي يقوم بها الفرنسيون ضد الاحتلال. وعلى خلاف ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي الجزائري والذي تعاطف مع الثورة الجزائرية، فقد رفض أن يدعم أساليب حركة التحرير الوطني، وقال إنه في هذه الحال سيدعم قتل أمه ولهذا فهو يختارها.
وفي كتاب جديد عن حياة فانون من تأليف أدم شاتز بعنوان «عيادة الثائر» يدرس فيه تحولات المثقف الذي ترك أثره على الدراسات الثقافية وما بعد الإستعمار، وتحوله من ضابط وطبيب يعالج الجنود في الجزائر المصابين بصدمات الحرب إلى ناطق باسم الثوار الجزائريبن. ويقدم فيه صورة عن حياة وأفكار وكتابات فانون.
الحصار
ومن الكتب التي صدرت هذا العام، «الحصار: القصة الرائعة لأعظم دراما رهائن لقوات أس إي أس» لبن ماكنتير، وهو ما جرى في السفارة الإيرانية في 30 نيسان/أبريل عام 1980، والذي حظي في حينه بتغطيات كل محطات التلفزة في بريطانيا التي كانت تقودها في ذلك الحين مارغريت ثاتشر. ومنذ ذلك الحادث قبل 44 عاما صدرت كتب وصنعت أفلام ومسلسلات درامية عن تلك الحادثة، إلا أن كتاب ماكنتير حصل على مقابلات مع أهم المشاركين في تلك الدراما، وكانت النتيجة دراسة شاملة ومرجعية لما حدث. وركز الكاتب على دور القوات الخاصة «أس إي أس» التي دخلت السفارة وهي جاهزة كأي قوات خاصة في العالم، مع أن مخاطر الفشل كانت عالية. وكان في ذهن الأفراد عملية فاشلة للقوات الخاصة الأمريكية في إيران لإنقاذ 54 دبلوماسيا وانتهت بالفشل. ولكن الفريق البريطاني قرر دخول السفارة بعد قتل الخاطفين دبلوماسيا إيرانيا. وقتل خمسة خاطفين في العملية أما السادس، فوزي بدوي نجاد، فقد أدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، حيث قضى 27 عاما في سجن بريطانيا قبل أن يطلق سراحه عام 2008. وكان نجاد جزءا من الأقلية العربية في الجنوب الإيراني الغني بالنفط، وكان احتلال السفارة مبررا للقمع الذي مارسته حكومة آية الله الخميني على الأقلية العربية رغم دورها بالإطاحة بنظام الشاه. وأدى دخول السفارة إلى تعزيز سمعة ثاتشر بأنها لا تتسامح مع الإرهابيين.
مصيدة أخيل
«مصيدة أخيل» من تأليف ستيف كول، ناقش فيه كل السياسات والتجسس حول نظام صدام حسين وحتى إعدامه عام 2006. ويقول كول إن «الغزو الأمريكي المأساوي للعراق لمحو أسلحة الدمار غير الموجودة يكشف أن هناك أكثر عن صدام مما لم يستطع ساسة واشنطن وجواسيسها فهمه» ووصف كول كتابه بأنه «تحقيق في كيفية تداعي هذا الفشل في الفهم» وهو ما أوقع الولايات المتحدة، وهي أقوى دولة عسكريا في مصيدة أخيل ودفعها لشن حرب ضد عدو غير مهم وتسببت بكارثة تاريخية على نفسها. فقد أخبر جورج هيربرت بوش مارغريت ثاتشر إنه يخشى من استخدام إسرائيل السلاح النووي ضد العراق. وكان حانقا على الملك حسين الذي قال إن الكويتيين كانوا يعرفون أن هذا قادم. وارتكب الجنرال كولين باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة في حينه خطأ بعدم سحق الجيش العراقي عام 1991 وأخبر بوش «لا نريد القتل من أجل القتل». وفي 5 أيار/مايو 1991 اقترب بوش من توقيع خطة سرية تقوم فيها «سي آي إيه» بالتخلص من صدام. وأشار كول إلى أن محاولات أمريكا تحديد معارضين لصدام قادها للتعاون مع منفيين دجالين، وكان أبرزهم أحمد الجلبي، الذي كان ثريا بالفعل ولكنه ازداد ثراء مع ضخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للأموال في منظمة كان يسيطر عليها. وقد فبرك أدلة أسعدت المحافظين الجدد. يقول كول إن عمليات التفتيش التي قامت بها الأمم المتحدة على الأسلحة في العراق بين عامي 1996 و2002 «اختطفتها» الاستخبارات الأمريكية والبريطانية.
أدب السجن
في «مذكرات الملح» تروي مجموعة متنوعة من النساء التونسيات تجربتهن في السجن السياسي في ظل كل من الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وتتغلب النساء على الصمت، ويتساءلن عن إرث القمع السياسي في البلاد. وكل فصل في الكتاب من تأليف كاتبة مختلفة وغالبا ما تتردد أصوات النساء وتنتقل من قصة إلى أخرى، بالتناوب بين الذات الخيالية والشهادات. وبهذه الطريقة، يشكل الكتاب إيقاعا جماعيا للحزن. ويتناول «مذكرات الملح» تجربة السجن داخل وخارج جدران السجن.
في هذه القصص، ينظر إلى الاعتقال السياسي على أنه اضطراب جماعي يؤثر على الأسر والمجتمعات. وتغوص «مذكرات الملح» بسرعة في «تونس الحقيقية» التي تختلف تماما عن الكليشيهات السياحية، تونس التي تحتلها شخصيات شامخة مثل المخبرين وحراس السجن، ومجهزة بمناظر طبيعية غير منطقية تتطلب التفاوض الدقيق. صدر الكتاب عن دار نشر جامعة سيراكوز وحررته هيفاء زنكنة وكريستيلا يوكينثو وفيرجين لاديش.
تشومسكي
ومن الكتب الهامة «أسطورة المثالية الأمريكية» للمفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي وناثان ج. روبنسون. ويتهم الكاتبان واشنطن بازدواجية المعايير في التعامل مع القانون الدولي، مثل رفضها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية مع التنديد بخرق الآخرين للقانون الدولي. وينتقد الكتاب النظام السياسي والإعلامي الأمريكي، الذي يعمل على «صناعة الإذعان» ويمنع المواطنين من التأثير في القرارات السياسية الكبرى.
ويعتبر تشومسكي واحدا من أكثر منتقدي السياسة الخارجية الأمريكية المعاصرة إصرارا وصلابة واحتراما على المستوى الفكري لأكثر من نصف قرن من الزمان، حيث سعى ضمن سلسلة منتظمة من الكتب والمقالات والمقابلات والمحاضرات إلى فضح نهج واشنطن الباهظ الثمن وغير الإنساني في التعامل مع بقية شعوب العالم، وهو النهج الذي يعتقد أنه أضر بالملايين وتعارض مع القيم التي تدعيها الولايات المتحدة. ولا يمكن لأي قارئ متفتح الذهن أن يقرأ هذا الكتاب ثم يستمر في تصديق المبررات الواهية التي يتذرع بها قادة الولايات المتحدة لتبرير تجاوزاتهم السافرة. وكما قال ستيفن والت في «فورين بوليسي» (15/11/2024) فإن كتاب «أسطورة المثالية الأمريكية» هو عمل قيم يوفر مدخلا متميزا لفهم فكر تشومسكي «في الواقع، إذا سألتني عما هو أفضل لطالب علوم سياسية من أجل معرفة خبايا السياسة الخارجية الأمريكية، قراءة هذا الكتاب أو قراءة مجموعة من المقالات التي كتبها مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون في مجلات مثل فورين أفيرز أو أتلانتيك، فإن تشومسكي وروبنسون سيفوزان بلا منازع».
المسلمون لا يهمون
ونشرت الوزيرة السابقة ونائبة رئيس حزب المحافظين التي استقالت منه بسبب نفاقه ومواقفه من الإسلاموفوبيا، سيدة وارسي كتاب «المسلمون لا يهمون». ورصدت فيه مخاوف المسلمين البريطانيين من التحيز ومواقف الساسة والصحافة المحرضة عليهم، وتحميلهم مسؤولية الكراهية ضدهم. ويعبر الكتاب عن مواقف وارسي التي استقالت عام 2014 من حكومة ديفيد كاميرون بسبب موقفه الذي لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا من الحرب على غزة. وهي تناقش منذ عام 2011 بأن ازدراء الإسلام في بريطانيا لم يعد موضوعا يناقش فقط «على طاولة الطعام». وتتهم وارسي زملاءها السابقين في الحزب والحكومة المحافظة وتقول إن وزراء حزب المحافظين تجاهلوا بشكل منهجي مخاوف المسلمين وقوضوا حقوق الإنسان التي ينبغي أن تكون عالمية.
هجرة
بعد أن لاحظ الباحثون أوليفييه إستيفيز وأليس بيكارد وجوليان تالبين أن بعض طلابهم المسلمين السابقين يستقلون قطارات يوروستار للسفر إلى لندن إلى الأبد، قرروا إلقاء نظرة فاحصة على الأسباب التي تدفع المسلمين الفرنسيين إلى الانتقال إلى الخارج. وقد نشرت «دراستهم الاستقصائية عن الشتات الفرنسي المسلم» مؤخرا تحت عنوان «فرنسا أحبها ولكني أغادرها». ووجد الباحثون أن الهدف الرئيسي هو الهروب من «الجو المعادي للإسلام». في المقابلات التي أجروها ذكر المشاركون في كثير من الأحيان الخطاب الإعلامي والسياسي المعادي للإسلام والمسلمين. وقد تفاقم هذا المناخ في أعقاب هجمات عام 2015 وأدى إلى تسارع بشكل ملحوظ في عدد الأشخاص الذين يغادرون.
ميركل
ومن الكتب في مجال السيرة أصدرت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل مذكراتها المرتقبة ودافعت فيها عن سياستها فتح الحدود الألمانية للاجئين السوريين الفارين من الحرب الأهلية، وكذا علاقتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ونفت في مذكراتها «حرية» أن تكون تنازلت على أمن بلادها بالسماح للمهاجرين، مؤكدة أن نقص القوى البشرية يجعل من الضرورة بمكان السماح للمهاجرين الشرعيين المساهمة في البلد وتطويره. وقدمت وصفا للقاءاتها مع الرئيس دونالد ترامب الذي قالت إنه كان مغرما ببوتين. وقالت إن بوتين سمح لكلبه بالدخول إلى لقاء بينهما في منتجع سوتشي عام 2007 مع أنه كان يعرف خوفها من الكلاب.
الشرق الأوسط والسياسة الخارجية
ومن الكتب عن غزة والحرب فيها «الطوفان: غزة وإسرائيل من الأزمة الى الكارثة» ويجمع 13كاتبا ومن تحرير جيمي ستيرن- واينر، وشارك فيه أفي شلايم، المؤرخ المعروف بجامعة أوكسفورد وكولتر لوفيرز وخالد الحروب وناثان ثرول وغيرهم حيث قدموا رؤية شاملة عن الظروف التي دعت حماس للهجوم على إسرائيل، وبدون محاولة للجدل ولكن تقديم الكثير من الحقائق التي يتجاهلها الإعلام الغربي. وفي السياسة الخارجية يعتبر كتاب «الحرب الباردة الجديدة: صعود الصين، الغزو الروسي وكفاح أمريكا للدفاع عن الغرب» لمراسل البيت الأبيض وشؤون الأمن القومي في صحيفة «نيويورك تايمز» ديفيد سانغر من الكتب المهمة التي تحاول التصدي للتحديات في السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة اليوم. والرسالة الواضحة هي أن هيمنة أمريكا لم تعد أمرا بديهيا. وفي العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تتحدى الصين وروسيا واشنطن، وتحاولان تحطيم الوضع الراهن في حين تسعيان إلى استعادة أمجاد الماضي. كما ونشر بوب وودورد، الصحافي الذي كشف مع كارل برينستاين عن فضيحة ووتر غيت التي أطاحت في السبعينات من القرن الماضي بالرئيس ريتشارد نيكسون وأصبح مؤرخ الرؤساء كتابه الجديد «حرب». ومثل كتبه الـ 22 التي أصدرها فكتابه الجديد مكرس للحرب في غزة وأوكرانيا والمعركة الرئاسية الأمريكية. وأهمية ما ورد في الكتاب هي الحوارات الداخلية التي نقلها مثل شتائم جو بايدن ضد بوتين «إبن الحرام» أو «إبن العاهرة» و«نتنياهو، فهو رجل سيء»، وكيف أن ترامب اتصل مع بوتين سبع مرات تقريبا بعد مغادرته البيت الأبيض وأن بايدن اعتقد بإمكانية استخدام بوتين السلاح النووي بنسبة 50 في المئة. وكل ما ورد في كتابه يؤكد ما يعرفه الجميع عن الحرب في أوكرانيا وغزة.
وصدر كتاب «ليلة القدر: خيانة الشرق الأوسط» لروبرت فيسك، الصحافي البريطاني الذي غطى الشرق الأوسط مدة تزيد عن الأربعين عاما وعايش كل الحروب والصراعات فيه، وأصبح مدافعا عن فلسطين. وقد صدر الكتاب بعد أربعة أعوام من وفاته وبمقدمة من صديقه باتريك كوكبيرن وكلاهما عمل في صحيفة «إندبندنت»، والكتاب تذكير بكل القضايا التي شغلت فيسك طوال حياته، غزو العراق وفلسطين وسوريا ولبنان.
أحداث دمشق
وأصدر المؤرخ والبرفسور في جامعة أوكسفورد يوجين روغان، كتابه عن «أحداث دمشق: مذبحة 1860 وتدمير العالم العثماني القديم»، وهو كتاب يعيد تشكيل مذبحة المسيحيين في حارة النصارى بدمشق عام 1860 بناء على مذكرات القنصل الأمريكي في دمشق ميخائيل مشاقة، والذي كان شاهدا على المذبحة وتأثر بها بصفته من أعيان المسيحيين. ولكن الكتاب يعيد تشكيل الأحداث في جبل لبنان ومذابح الدروز للمسيحيين وموقف الدولة العثمانية من تلك الأحداث وتجادلها مع مواقف الدول الغربية وحماية الأقليات. ولكن مذبحة دمشق كانت نقطة تحول في المواقف العثمانية وكادت أن تفقدها السيطرة على الولايات العربية، لو لا ذكاء وزير الخارجية للسلطنة العثمانية فؤاد باشا والذي حاول الموازنة بين إرضاء القوى الخارجية التي كانت تريد التدخل في التحقيقات ومعاقبة المسؤولين بمن فيهم والي دمشق أحمد باشا والأعيان الذين سكتوا على المذبحة أو حرضوا عليها. وأشار الكاتب لدور المجاهد الجزائري عبد القادر الجزائري الذي فتح بيته وحوله لملجأ للمسيحيين الفارين من القتل. ويرى الكاتب أن أحداث دمشق كانت نقطة تحول في تاريخ الدولة العثمانية والتنظيمات والإصلاحات التي أدت لولاية هوية عثمانية جديدة، وكيف عادت دمشق التي دمرتها الأحداث للتصالح مع نفسها وسكانها.
جوائز
وفي الجوائز البريطانية، فازت رواية «أوربيتال/مداري» للكاتبة البريطانية سامنثا هارفي بجائزة بوكر عام 2024، وهارفي هي الكاتبة البريطانية الوحيدة التي تم اختيارها في القائمة النهائية هذا العام لبوكر 2024. وتم اختيار قصة هارفي عن ستة رواد فضاء خياليين في محطة الفضاء الدولية «بالإجماع» كفائزة بعد «يوم كامل» بالنظر إلى القائمة النهائية المكونة من ستة مرشحين. وهي رواية قصيرة مكونة من 136 صفحة وهي أطول بأربع صفحات من رواية بينلوب فيتزجيرالد «بعيدا عن الشاطئ» التي فازت عام 1979 بجائزة بوكر. وشملت القائمة النهائية إلى جانب هارفي، راشيل كوشنر عن روايتها «بحيرة الخلق» وآن ميكائيلز عن راويتها «محتجز» ويائيل فان دير وودين عن «الحفظ» وشارلوت وود عن «عبادة ساحة الحجر».
القدس العربي