• 13 آذار 2025
  • مقابلة خاصة

 

بقلم : زياد حداش 

 

التقيتُه.. ولم أُفشِ له السرّ! سمّاه أصحابُه (أبا الفضل).

 *هل أنت محمد إسعاف النشاشيبي؟

 - نعم، أنا هو، ولكن كيف عرفتني أيّها الشّاب؟ *

ولكن كيف يحدث أن تعودَ إلى الحياة، أعرفُ أنّكَ متَّ عام 1947 م، ودُفنتَ في القاهرة.

 - كل عام أظهرُ في مدينة فلسطينية لساعتين فقط، أمارسُ مثلَ الناس شأناً حياتياً طبيعياً، وفي العادة لا يتعرّفُ إليَّ أحدٌ، لم تقل لي كيف عرفتني؟.

 *أعرفُكَ جيداً، والصدفة أني أعيشُ حياتكَ وأخباركَ وكتبكَ هذه الأيام، أحببتُ نشأتكَ في بيتٍ مشيّدٍ بالعلم والمال، راقني جداُ وصف السكاكيني لكّ «بأنَك قاموس يمشي على قدمين»،

 أحبُّ جداً أنّك من القدس، ومعارككَ الحضارية الهادئة مع الأستاذ الريحاني. لا أدري إن كان يحق لي أن أحكيَ لك سرّاً حدث بعد وفاتكَ، أم أُفضّلَ الإبقاء عليه سرّاً حتى لا تموتَ مرة أخرى؟

 فتح محمد إسعاف النشاشيبي عينيه على وسعهما، وقال لي:

 أرجوك أحكِ لي السر. 

غيرّتُ الموضوع بسرعة، ودعوته إلى مدرستي للقاء طلابي، ولكنّه لم يتحمّس، وغيّر الموضوع فوراً.

 - قل لي: من أين الطريق الى طبيب؟ أشعرُ بدوار خفيف، يبدو أنّ ضغطي ارتفع مرةً أخرى. أخذته الى الطبيب، قلت له:

 هذا محمد إسعاف النشاشيبي، نظر إليه نظرة سريعة، ولم يعلّق أبداً،

 أخفض إسعاف رأسه، واقترب مني هامساً في أُذني:

 هذا طبيعي.

 عدنا إلى المدينة نتسكّع هنا وهناك، وبين الحين والآخر كان يلحُّ عليَّ بأن أفشيَ له ذلك السر، وكنتُ دائماً أغيّرُ الموضوع. كنتُ أقول له:

 أرجوكَ سامحني، فهناك بعض الأسرار ربما تشكّلُ سبباً آخر لموت جديد.

 ذهبنا إلى مكتبة عامة، سألتُ صاحبها:

 هل هناك كتبٌ لمحمد إسعاف النشاشيبي ؟

 نظر إليّ مستغرباً، وأجابَ بعد دقيقة..لا.. لا أعرفُ هذا الشخص! من يكون؟

 سألته: اتّهمكَ الريحاني بأنّكَ من دعاة الغريب والوحشي والتقعّر في اللغة.

 أجابني: بأنه لم يكن يريد بدعوته إلى العودة إلى اللغة العربية الفصيحة أن يبعثَ الناسُ تلك المفردات البائدة، ولكنني أؤمن بالانتخاب الطبيعي، وأنا في ذلك متأثرٌ بـ (دارون). 

-بقيَ لي في رام الله نصف ساعة،

 أرجوكَ قل لي ذلك السر، لقد أثرتَ فضولي! فغيّرتُ الموضوع فوراً. *

وماذا عن زيارة مدرستي؟ عشر دقائقَ فقط.. فقط عشر دقائق، أريد أن أعرفك على طلابي،

 هربَ من الموضوع فوراً، وسألني:

 في زمانكم هناك شاعرٌ كبيرٌ اسمه «محمود درويش»، هل بإمكاننا زيارته في ربع ساعة قبل أن أغادر؟ قلت له: إن ضريح «محمود درويش» مقفل الآن بسبب (الكورونا).

 - (الكورونا)، ما الذي تعنيه هذه الكلمة، أتوقّعُ أنها أجنبية.

 *هذا موضوع طويل، هيّا نواصلُ المشيَ. جلسنا في (سكّرية)، كان يلبسُ طربوشاً، وكان قصيراً، ولطيف المُحيّا، وبدأتْ تصلني رسائل نصيّة على هاتفي المحمول.. من الذي تجلس معه يا زياد؟ 

- السر.. السر.. أرجوك قله لي الآن، بقي لي ربع ساعة. 

غادرنا (سكّرية)، وصعدنا إلى (الماصيون).

 - يبدو غنيّاً هذا المكان، لم يتغيّر شيء، من هؤلاء الجنود؟،

 وأشار إلى دوريّة عسكرية تمشي قربنا.

 *إنّهم الإسرائيليون المحتلّون.

 - ولكني رأيت شرطيّا فلسطينياً مُسلّحاً يمشي في الشارع، كيف تتفقُ هذه مع هذه؟!!

 غيّرتُ الموضوع فوراً، وسألته:

 قرأتُ لكَ مصطلحاً غريباً (الانتخاب الصناعي) ما الذي تعنيه بذلك؟

 -أعني به ما يعمد الناس من وضع لبعض المفردات من طريق الاشتقاق.

 *ومن هي غادة الضاد، وفتاة الجزيرة التي كتبتَ عنهما؟

 -إنّهما اللغة العربية، هما وصفان أطلقتهما على اللغة العربية، وأضفتهما إلى الجزيرة العربية من باب إضافة الشيء إلى منشئه. 

-بقيَ لي دقيقتان، وأغادر.. أرجوك قل لي ما هو السر الذي تعرفه عني، ولا أعرفه؟ *

لا أريد أن أقول لك هذا السر، لا أريدُ أن أقتلكَ مرةً أخرى. انتهت الدقيقتان،.

 واختفى محمد إسعاف النشاشيبي، ولا أعرف أيّ مدينة فلسطينية سيزورها العام القادم مدة ساعتين. وبقيت أفكر ماذا لو قلت له ذلك السر المخيف؟ ماذا لو قلتُ له:

 أن لصوصاً عرباً اقتحموا بيته في حرب 48، ونهبوا مكتبته، وباعوها في الزرقاء وقوداً لأفرانِ المدينة.