- 6 تموز 2025
- مقابلة خاصة
القدس - أخبار البلد - كتب المحرر الثقافي :
بعث لنا أحد الأصدقاء الأدباء هذه المقالة التي لها علاقة بالمدينة المقدسة ، مع رجاء خاص بأن نقوم باعادة نشرها في " أخبار البلد" التي تحمل شعار القدس وتاريخها وثقافتها. هذه المقالة للزميل الكاتب المعروف " فيصل محمد عوكل" صاحب القلم الساخر والمهتم بأدب الرحلات له في ذلك بعض المؤلفات ، تتحدث عن رحلته إلى القدس وقام بنشرها في صحيفة " الحياة نيوز" الأردنية التي يكتب فيها بشكل مستمر، وفعلا هذه المقالة نقلتنا الى اجواء القدس في ستينات القرن الماضي .
ويشرفنا ان نعيد نشر مقالة الزميل " فيصل محمد عوكل " التي تحمل عنوان "رحلتي الى القدس عام ١٩٦٦" كما نشرت كاملة في صحيفة " الحياة نيوز".فهي وثيقة تاريخية اجتماعية عن المدينة التي نعشق :
" هناك رحلات لاتنسي مطلقا ومن الصعب نسيانها مهما كان الزمن فانت في حضره الارض المقدسة الارض المباركة خطرت في بالي حينها ان اذهب الى القدس وكانت ايام وقفه عيد وكانت هذه الرحله تاخذ من الوقت حوالي ثمانية ساعات من الزرقاء الى القدس وسعر التذكره في الباص اثني عشر قرشا على ما اذكر وربما اقل قليلا ايضا وانطلقنا من الزرقاء في باصات كنا نسميها وقتها بلغه ساخره باصات ادفش او ادفشني بلاش اوقف لان الباص سيقطع حوالي ثمانون كيلو متر في ثمانيه ساعات وكان كل راجب يحمل في جيبه كيس بزر او كيس فستق او حامل سندويشه للرحله وكانت حينها تعتبر رحله سفر بعيده لشاب لم يسافر قبل ذلك بعيدا وكانت الطريق تبدا من الزرقاء نحو عمان نحو العبدلي تجمع الباصات والسفريات حول العالم من هنا وبعدها ياخذ باقي الركاب ان كان الباص ينقص عدد الركاب وينطلق باتجاه صويلح حيث كان هناك بقاليات بسيطه جدا علي جانب الطريق ويبعون التسالي والسندويشات والمرطبات وكانت كما اذكر كازوز سحويل المشهوره وقتها والوضوعه في غردل ثلج وبعد الوقوف ونزول الباعه ينطلق من صويلح نحو السلط ويتوقف في بدايه طريق وادي نبي الله شعيب عليه السلام والذي اخذ الوادي اسمه تيمنا بنبي الله شعيب عليه السلام المطل بمقامه علي منتصف الوادي ما بين السلط والغور .
وينطلق بنا الباص من السلط أرض الينابيع وتلال الدوالي الجميله وارض العسل وتربية النحل الاصيل باتجاه وادي شعيب والذي كان وقتها ضيقا بالكاد يتسع لمركبتين بصعوبة وبوادي عميق في بعض نواحيه حتى يصل الى مثلث الكرامة حيث يضحي الأفق أمامك واسعا ومطلا على جبال القدس وفلسطين .
من هنا ويتوجه الباص ويتوقف قليلا في الشونة ليحمل راكبا او راكبين ومن ثم يمضي نحو نهر الأردن المقدس اقدس أنهار العالم حيث تعمد فيه نبي الله عيسى ابن مريم عليهما السلام ونقطع الجسر ونحن ننظر نحو النهر في قلب الغور و أخفض منطقة في العالم وعلى مسيرتنا يتلألأ سطح ماء بحيرة لوط نبي الله لوط عليه السلام او البحر الميت .
وبعدها يتوقف في أطراف اريحا اقدم مدن الأرض عبر التاريخ حيث عاش اقدم البشر منذ عهد ادم عليه السلام أبو البشرية كلها، حيث تقع أريحا على شاطيء نهر الأردن وامتداده وتكثر فيها أشجار الحمضيات والموز والفواكه والعنب واشهرها الموز الريحاوي .
ونحن نتحرق شوقا للوصول الى بوابات القدس وتاخذني ذاكرتي للوراء فهنا وخلال هذه الأرض سار الأنبياء جميعا هنا وهنا وعلى بابها وقف عمر بن الخطاب ووقف عند أسوارها صلاح الدين الأيوبي .
هنا ذاكرة التاريخ ومن هنا بوابة السماء حيث الصخرة المشرفة من هنا أسري بنبي الله محمد عليه الصلاه والسلام برحلة الإسراء والمعراج ، ووصلنا في نهاية رحلتنا الى كراج الباصات والذي كان يقابل شارع الشيخ جراح ونزلنا من الباص كانت الارض مبلطة بالحجارة القديمه وكأنما حجارتها لو تكلمت لاخبرتنا ملايين الحكايات عبر هذه الشوارع والأزقة القديمة قدم التاريخ .
توقفت امام باب قديم جدا يدخل الناس ويخرجون أفواجا وفرادى من هذا الباب المسمى باب العامود وخطر في بالي حينها لم سمي بهذا الاسم ولكنني تابعت طريقي لاجد أسواقا طوال الشارع داخل الباب من باعه الانتيكات والتحف بكل انواعها من النحاسيات والذهب والفضة وحتى انه قد لفت نظري دكانا صغيرا او حانوتا يعمل بالاخشاب وينحت باحترافية كبيرة قافلة من الجمال مربوطة بسلسلة نحاسية في ذيل حمار خشبي ليعيدنا بالتاريخ إلى عصر القوافل وقايضته وحصلت على القافلة من الجمال وحمارها الخشبي بربع دينار وقتها وكان مبلغا يأخذ فيه ويحسب له حساب.
وسألت عن فندق هناك فوجدته أمامي بلافتة تدل عليه وصعدت إليه بدرج عتيق جدا من الحجارة وكلفتني ليلتها المبيت في الفندق عشرة قروش او كما يسميها البعض بريزه وتعود تسمية بريزه الى كلمه باريس كما اخبرني البعض فيما بعد .
وكانت غرفة الفندق تطل مباشرة على ساحة المسجد الأقصى ومسجد الصخرة المشرفة وما كدت أراهما حتى نزلت فورا والذهاب هناك ، وتوجهت عبر شوارع القدس العتيقة جدا ووقفت أمام رسام أجنبي يجلس على الأرض ويضع أمامه سيبه الرسم ولوحة قماش ليرسم ملامح السوق والشارع العتيق جدا بكل تفاصيله وحوانيته ، وكل ما ظهر امام ناظريه باحترافية كبيرة وهي المرة الاولى التي اشاهد فيها فنانا او رساما بشكل مباشر وكان منظره ملفتا للنظر وكان اهتمامه شديدا بالتفاصيل.
وقفت امام باب حانوت يبيع اشياء للسياح وأردت أن أسأله عن اهتمام الرسام بهذا الشارع وكان يكفي أن يصوره وينتهي علما بأن من يحمل كاميرا وقتها أمر مهيب ومن يملك ثمن كاميرا ألا الغني او ثري جدا.
فقال لي البائع: انه يرسم هذا الشارع المقدس لأنه يسمى طريق الألم حينها أدركت شغف الرسام وهو يرسم بكل احساسه الروحي والعاطفي الخالص .
وتابعت طريقي لاقف امام مسجد قبة الصخرة هاهنا بوابة السماء بوابة الإسراء والمعراج متفقدا السماء بصفائها الناصع متأملا قبة الصخرة والشمس تنعكس على قبتها الذهبية وقد تزن جدارها الأعلى بايات قرانية في غاية الجمال.
وتوضأت ودخلت وصليت ركعتي صلاة تحية المسجد وذهبت حيث الصخرة المشرفة في داخل المسجد فوجدت رجل يقف عندها ويحافظ على النظام ويدخل من يرغب بالدخول إليها حيث تقع في داخل المسجد ودخلت تحت الصخرة والتي كانت تتسع لشخص واحد يمكنه أن يصلي بها وربما اتسعت لشخصين بصعوبة فصليت تحتها وخرجت وذهبت نحو المسجد الأقصى وقمت بزيارته ايضا .
وعدت الجندي خرجت من باب اخر فوجدتني أمام باب الفندق والذي يقع حول بابه ايضا مطاعم شعبيه بكل اشكالها زخم السوق وكثرة الحركة فيه، ودخلت مطعما يبيع كل أنواع الأطعمة الشعبية و تناولت عشائي كلفني العشاء بكل أنواعه حوالي ثمانية قروش ونصف .
وصعدت الى غرفتي في الفندق ونمت حتى الصباح ونزلت أيضا نحو مطعم قريب كان على بابه باعة الكعك والبيض والزعتر ويبيع الفول والحمص والفلافل مع مخللات والفته بالحمص و تناولت افطاري واخذت اتجول حول السور أتأمل حجارته القديمة واتخيل تاريخ العالم حول هذه الصخور حتى وجدت مقبرة اخبرني احدهم انها تسمى مقبرة الشهداء والذين قضوا نحبهم في فتح بيت المقدس وغيرها من الشهداء.
وركبت سياره نحو أريحا ربما كلفتني وقتها خمسة قروش لأنه كان تكسيا والركاب عدى راكب واحد آخر متوجها نحو أريحا متأمل أشجارها وانا ذاهب نحو قصر هشام والذي كان يجسد تاريخا كبيرا في المنطقة وقد كان للزلازل دور في إيذاء هذا الأثر.
وقد اكتشفت بان راسي يحترق لان الجو كان حارا جدا ولحسن الحظ وجدت فتيات ونساء عند نبع ماء قريبة من الشارع الذي اسير به وغسلت وجهي وشربت وعدت البحث عن اي مركبة تعود بي الى القدس حيث حركه الحياه هناك عظيمة وحيوية قياسا باريحا والتى كانت حينها شمسها تنفث لهبا ووقفت على حافة النهر المقدس وتابعت طريقي نحو الشارع حتى اتحفتني المقادير بسيارة عابرة نحو القدس فركبتها وعدت للفندق وانا اتصبب عرقا واسترحت ومن ثم اخذت اتجول بعد العصيره في أسواق القدس أتأمل كنائسها العتيقة ومساجدها الكبيرة المتعانقة والمتقابلة بشكل جميل جدا وفي المساء وبينما انا خارج أسوار القدس وجدت نفسي قريبا من كراج الباصات واحدهم يصيح راكب واحد لعمان راكب واحد لعمان وبدون أدنى تفكير صعدت الباص عائدا إلى عمان
انها من اجمل رحلة من الرحلات الكثيرة فيما بعد لي ولكنها من الرحلات التي اعتبرها رحلة روحية وليست سياحة عادية انها قلب ومحور العالم إنها القدس وهذه رحلتي اليها كما أتخيلها الآن تماما وأذكر الكثير من تفاصيلها.