• 19 شباط 2021
  • ثقافيات

 

 بقلم : كايد هاشم

 

عندما بدأت أخطو خطواتي الأولى في عالم الأدب والكتابة والنشر، خلال النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، كانت حدة الصراع بين الجيل القديم والجيل الجديد من الكُتّاب والأدباء على أشدها وملاحق الصحف الأدبية في ذلك الحين تعبّر عن هذا الصراع بنقاشات بين كُتَّاب الجيلين لا تخلو من المناكفات والهجوم من هذا الطرف أو ذاك على الآخر ... كانت هناك اصطفافات لم أنضم لأي منها بين الفريقين وحتى داخل كل فريق، لكنني تعرضت لرشقات من بعض أدباء جيل الكبار لا لسبب سوى أنني كنت صغير السن وما أزال طالباً في المرحلة الثانوية آنذاك، وكنت أعد لإصدار كتابي الأول (شباب الأردن في الميزان: مساجلات الملك عبدالله بن الحسين وعبد الحليم عباس)، الذي يصور مرحلة ربما كانت منسية من الأدب النقدي في الأردن في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات شارك فيها المرحوم الملك المؤسس عبدالله بن الحسين برعاية أدباء الأردن الشباب وتشجيعهم على الكتابة ومساجلتهم بأرقى ما تكون المساجلات الأدبية، وقد جمعت مواد هذا الكتاب ووثقتها من مجلدات جريدة (الجزيرة) وحققتها وأعددتها للنشر. 

وكتب عن عملي هذا منوها ومشيدا به من جيل الرواد الأديب المرحوم عيسى الناعوري في مجلة (أفكار)، كما كتب عنه فيما بعد وعند صدور الكتاب عام 1979 من الجيل الذي كان يعد جديداً الدكتور فواز طوقان في جريدة (الأخبار)، ونشر عنه الأديب فخري قعوار في جريدة (الرأي)، وكذلك المرحوم فوز الدين البسومي في (الدستور)، والمرحوم الدكتور جميل علوش في الكتيب المشترك مع المرحوم حسني فريز عن (حياة المرحوم عبد الحليم عباس وأدبه) الذي نشرته رابطة الكتاب الأردنيين حينذاك، ووجدت عدداً من أدباء الجيلين ومن مختلف التيارات يشجعونني ... إلا أحد شعراء جيل الشيوخ - رحمه الله وسامحه - الذي يتضمن الكتاب نقداً له في تلك المرحلة، والذي ثارت ثائرته وأزبد وأرغى عندما علم بأن الكتاب في طريقه للنشر، والذي أرسل قريباً له يهددني بالسعي لدى دائرة المطبوعات والنشر إلى منع طباعة الكتاب لأنني فقط صغير السن ويجب أن لا أتصدى لعمل يتعلق بجيله وهو أجدر بأن يشرف على الكتاب ويكتب له المقدمة، وأضع اسمه على غلاف الكتاب اعترافاً بفضله عليّ الذي لا أدرى ما هو !؟ ... 

 لم أكترث، ودفعت بالكتاب للمطبعة وصدر سنة 1979 ووزع وأسعدني أنه أصبح من مراجع الدارسين والباحثين في تاريخ الحركة الأدبية الأردنية، وما يزال بعض الأصدقاء حتى يومنا هذا يقترحون عليّ أن أعيد طباعته.

طافت بذهني هذه الذكريات - التي تظل جميلة على أي حال - وأنا أرى أحياناً على صفحات الفيسبوك وأسمع في بعض المجالس قسوة بعض الكبار على من هم أصغر سناً من جيل الشباب الكتَّاب، وتنطع بعض مَن ليس لهم لا في العير ولا في النفير إلى الافتاء في شؤون الثقافة والأدب وما يصلح وما لا يصلح ... وتصيد سقطات الناشئين وصب جام الغضب واللوم عليهم في اختلال معايير كان الأجدر بهؤلاء الكبار أن يصوبوها في أنفسهم، ويضعوا في اعتبارهم أنهم رعاة إذا شاؤوا ولكنهم في مطلق الأحوال ليسوا قضاة يصدرون أحكاماً، فليتركوا الأحكام للزمان وكلٌّ كفيل بتجربته ومسؤول عنها .

الشباب والكتَّاب الجدد أجدر بالرعاية والتوجيه السليم، فالخير بذرة إذا نمت في بيئة طيبة أثمرت، وإذا غابت عنها العناية فلن نجد في المستقبل سوى المَحْل والجفاف ولا شيء غيرهما، فلا خضرة تسر النظر ولن نجد حتى شيئاً من حطب المتبرمين على كل شيء وأي شيء !