• 24 تشرين أول 2022
  • ثقافيات

 

خواطر اثرية

 

                                    

بقلم :  أ.د. زيدان كفافي

 

الموقع: بنيت قلعة مكّاور فوق قمة جبل عالٍ يرتفع حوالي 800 متراً فوق مستوى سطح البحر،  وتبعد حوالي 32 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من مدينة مادبا، على  الضفة الجنوبية لوادي زرقاء ماعين. تبعد القلعة حوالي 2 كم إلى الغرب من قرية مكاور الحديثة وإلى الشرق من البحر الميت. لذا يمكننا تقسيم منطقة مكاور إلى  منطقتين، هما: الجبل الذي بنيت فوقه القلعة/قلعة المشنقة، والبلدة الحديثة المبنية على المنحدر الشمالي للجبل المبني فوقه القلعة.

تتميز جغرافية المنطقة التي بنيت فيها القلعة بإطلالتها على البحر الميت، كما أنه من الممكن مشاهدة القدس (عند صفاء الطقس) . 

التسمية: اختلف الباحثون في تسمية مكّاور، علماً أنها متشابهة جداً، وهي على النحو أدناه:

1. مكاور(Makawir) وهو اسم سامي، وسمي بهذا الاسم لأن القاعة بنيت فوق قمة جبل مرتفع  شكلها  مدور.

2. مكايورس (Machaerus)  : كلمة يونانية تعني "السيف"، وهذا هو الاسم الشائع عند الباحثين.

3. مكابيروس (Makaberos)(: ذكر الأب  بشاريللو أن البيزنطيين أطلقوا هذا الاسم على الموقع، ومنه تم اشتقاق الإسم العربي "مكاور".

4. يسمي السكان المحليون الجبل الذي بنيت فوقه القلعة باسم "جبل المشنقة/ قلعة المشنقة".

التاريخ: بناها الإسكندر جانيوس (جنّايوس) في القرن الثاني قبل الميلاد (حوالي 103-76 قبل الميلاد) ودمرها الروم بقيادة القائد الروماني ( Gabinius ) جابينوس في 57 ق.م. وصفها المؤرخ اليهودي جوزيفوس، الذي عاش في القرن الأول الميلادي ، بأنها قصر/ قلعة هيرود (37 قبل الميلاد – 4 ميلادي) ، وهو من أعاد بنائها.  وورث هيرود أنتيباس الأول  القلعة بعد وفاة والده هيرود،  ثم آلت بعد وفاة الأخير في عام 39 ميلادي لهيرود أغريبا الأول حتى وفاته في عام 44 ميلادي لتسقط بعدها بيد الروم. سيطر عليها  الثوار اليهود في عام 66 ميلادية، أي بعد ثورتهم الأولى، مما اضطر الجيش الرومي لمحاصرتها في عام 72 ميلادية وتدميرها تدميراً كاملاً.

أهميتها:

تحتوي القلعة على عدد من الأبراج التي تعود إلى زمن الإسكندر جانيوس (جنّايوس)، أعاد هيرود الكبير بنائها في سنة 30 ق.م، إلا أن ابنه المدعو هيرود انتيباس الذي تزوج من ابنة الحارث الرابع "سعده " قام بسجن النبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان)، عليه السلام، وذلك لمعارضته زواجه من هيرودا زوجة أخيه فيليب (فيليباس)،فأقام هيرود انتيباس حفلة عيد ميلاده في القلعة وطلب من سالومي ابنة هيرودا أن ترقص في هذه الحفلة مقابل أنيعطيها كل ما تطلب، حتى ولو كان ذلك نصف مملكته. فسألت أمها : ماذا تطلب ؟ فقالت لها: رأس يوحنا المعمدان،فلبى طلبها وقطع رأس يوحنا (يحيى عليه السلام).                                           

هربت زوجته النبطية "سعده " ابنة الحارث الرابع أثناء الحفل من القلعة إلى مملكة أبيها، وتحديداً إلى مادبا التي كانت تابعة لحكم الأنباط، ومنها أوصلتها الحامية النبطية إلى البترا، فكانت ردة الفعل النبطية أن هاجموا بقيادة ملكهم الحارث الرابع جيوش انتيباس وهزموهم شر هزيمة،فشكاه هيرود للإمبراطور تيبريوس، فطلب هذا من أحد قادته ضرورة إعداد حملة عسكرية ومهاجمة الأنباط ، لكن هذه الحملة لم تتم بسبب وفاة تيبيروس . هناك من يقول أن هيرود ذهب إلى روما لينصبه الإمبراطور ملكاً، وعوضاً عن هذا نفاه إلى ليون في فرنسا.                                            

عثر في المنطقة على أساسات لأقواس كانت تحمل جسراً معلقاً يحمل قناة مياه تزود خزانات وبرك محفورة في أسفل الجبل بمياه الأمطار لتزويد القلعة بالمياه وقت الحاجة. وكشف عن أسوار القلعة وأبراجها وفي داخلها الآبار  والقصر الملكي وبقايا المدينة التي بناها هيرودس وجميعها تعود للفترة ما بين 90 قبل الميلاد إلى 72م، أما الكنيسة البيزنطية الموجودة عند بداية الطريق فلم يبقى منها شيء.                                                                                           كما وكشف أيضا عن حمام مكون من غرفة لتغيير الملابس وغرفة دافئة وأخرى باردة وساخنة وغرفة بخار وساحة مكشوفة.

للموقع أهمية تاريخية وسياحية إلى جانب أهميته الدينيةلدى أبناء الديانات السماوية الثلاث (المسلمون والمسيحيون واليهود). وزادت أهميته لدى المسيحيين خاصة بعد أن زاره البابا جون بول الثاني (Pop John Paul II) سنة 2000م، والبابا بنديكيت السادس عشر (Pob Benedict XVI)سنة 2009م.  وبناء  على هذه المعطيات  فإن هذا الموقع يستحق الاهتمام به لتطويره للأغراض السياحية، وأن يصبح مقصداً للحج المسيحي.