- 16 نيسان 2025
- ثقافيات
بقلم : محمود شقير
قبيل إبعادي بثلاثة أشهر من سجن "بيت ليد" الإسرائيلي إلى لبنان، راحت تلحّ عليّ فكرة العودة إلى الكتابة الإبداعية التي انقطعت عنها من عام 1969 إلى عام 1975، واكتفيت بكتابة المقالات السياسية ونشرها في الصحافة المحلية في القدس بأسماء مستعارة، وفي صحافة الحزب السرية من دون اسم.
في تلك الأشهر الثلاثة التي سبقت الإبعاد كنت أفكّر بكتابة رواية، وقد تراكمت في ذهني بعض مشاهد من هذه الرواية، ولم أقم بتدوينها على الورق. لم تكن ظروف السجن تشجّعني على الكتابة.
وحين وجدتني في بيروت مبعدًا من السجن الإسرائيلي عام 1975 انصرفت عن كتابة الرواية إلى القصة القصيرة التي كانت وما زالت ميداني الرئيس في الكتابة الإبداعية، وكانت من جرّاء ذلك مجموعتي القصصية الثانية "الولد الفلسطيني"، وعدد من قصص الأطفال التي نشرت في مجلة "أسامة" السورية.
في عام 1977، وبعد عام من إقامتي في عمّان شرعت في كتابة الرواية التي اخترت لها عنوانًا مباشرًا هو "القمع"، وخلال عام واحد أنهيت كتابة الرواية وعرضتها على عدد من الأصدقاء الذين أجمعوا على أنّ فيها مباشرة صارخة، وطغيانًا للمقولات السياسية على متنها.
ولذلك، وانطلاقًا من ملاحظات الأصدقاء عدت من جديد إلى الرواية وحاولت التخفيف من حدّة المباشرة فيها. وأوّل إجراء اتخذته أنني حذفت عنوانها الأوّل، واخترت العنوان: "قلنا ذلك لكلّ الطارئين"، ثم أرسلتها بالبريد المسجل إلى محمود درويش في بيروت، وكان آنذاك رئيس تحرير مجلّة "شؤون فلسطينية" لكي ينشرها في المجلّة.
بعد أسبوعين من إرسالها إلى محمود كتبت له رسالة وطلبت منه ألا ينشرها لأنني ما زلت أشعر أنها لم تتخلّص من المباشرة ومن مقولات السياسة، وقد التزم محمود بما طلبته منه ولم ينشر الرواية.
ولم أفرّط فيها، احتفظت بها في ملف، وحين عدت من المنفى إلى القدس عام 1993 اصطحبتها معي ضمن مجموعة مقالات ومقابلات وموادّ أدبيّة، وظلّت محفوظة في مكان ما في البيت، ومع الزمن، وأمام ازدحام البيت بالكتب، لم أعد أعرف أين خبّأت الرواية، وظلّ الأمر كذلك إلى أن قرّرت مؤخّرًا التبرّع بجزء من مكتبتي لمكتبة جامعة بيت لحم.
وبالفعل، وجدت الرواية مع مجموعة مقالات ومقابلات مركونة في الخزانة التي فرّغت ما فيها من كتب، وشرعت على الفور بنقلها من الورق إلى الحاسوب، وكنت أثناء ذلك أمارس عليها الحذف من دون هوادة.
حذفت ما مقداره سبعة آلاف كلمة كانت تثقل متن الرواية بسبب المباشرة والقول السياسي المباشر، كما أنّني حذفت العنوان الثاني واستبدلت به عنوانًا جديدًا هو "خريف آخر"، وأجريت إضافات طفيفة لسدّ الفراغات التي أحدثها الحذف، وبقي الجزء الأهم من الرواية، وهي رواية قصيرة في كلّ الأحوال، أنجزتها عام 1978، واشتغلت عليها عام 2025 متوقّعًا أنها ستروق للقراء بعد نشرها على موقع الحوار المتمدن.
أتمنّى للقراء وللقارئات قراءة ممتعة.