• 27 تشرين الثاني 2022
  • في إيتلية

 

 القدس - أخبار البلد -  لا زالت لوحة الفنان العالمي فان خوخ والتي تحمل اسم الحذاء تثير الكثير من التفسيرات والتحليلات ولكن  في احدى  المواقع الثقافية نشرت تحليلا عميقا لهذا الحذاء ، وسعدنا في شبكة " أخبار البلد" المقدسية إعادة نشر هذا التحليل:

لقد رأى هيدجر إن مشهد هذا الحذاء الرث ينم عن عامل، غالبا امرأة، أجهده السير ذهابا وإيابا في الحقول. لقد اكتسب جلد الحذاء قسوة من وعورة المشي في الطين حتى ملأته التجاعيد و الشقوق. لقد تركت الغيطان أثرها عليه. وصارت أخاديده مسارات تغدو فيها الرياح.

هذا الحذاء ينتمي للأرض. ينتمي للممرات بين الحقول. ينتمي لوحل قنوات الري. ينتمي لفلاحة عاشت قسوة العوز. وطار قلبها طربا عندما باعت المحصول. هذا الحذاء يُعاني معها ويطرب لها ويحزن عليها ويساندها ويدعمها إذا لزم الأمر.

هذا هو الحذاء عند هيدجر؛ حذاء فلّاحة مشحون بشتى ألوان المُعاناة. استخدمه فان جوخ لإفشاء الحقيقة. لإفشاء حجم الطبقية في المُجتمع الفرنسي. لكنّ شابيرو يأتي في مهمة تقصي طبيعة الموضوع المرسوم. لماذا يعتقد هيدجر أن الحذاء لفلاحة؟ هل هذا مجرد انفعال نفسي/عاطفي تجاه لوحة وتحميلها بمعاني لا تَجُود بها!

في معرض تحليله للحذاء يرى شابيرو في مقاله، "المشهد الحي كمسألة شخصية: ملاحظات على هيدجر وفان جوخ"، أن فإن جوخ إذ يرسم أحذية الفلاحين فإنّه يرسم قباقيب خشبية بهيئة معينة. وتلك الهيئة تظهر في العديد مِن لوحاته عن الفلاحين. هذا الحذاء هو حذاء فان جوخ نفسه. والأسى البادي عليه هو أسى فان جوخ الشخصي.

ثم يأتي دريدا ليفكك قراءة هيدجر ورؤية شابيرو، مُتسائلًا في "الحقيقة في الرسم"، عن جدوى تلك المناقشات حول نسب الحذاء إلى الرّيفيّ أو الرّيفيّة عند هيدغر، وإلى الرسّام عند شابيرو! إنّ هذه الأسئلة تشقّ طرح دريدا وتلوّح بين الحين والحين. هل أراد دريدا أنّ يُذكّرنا بأن السّؤال يتجاوز مسألة النسبة والملكيّة ليصل إلى: لمن يعود كل هذا الأسى!

"أنا مُجرد نكرة." - فنسنت فان جوخ

إن دريدا إذ يرفض إقرار شابيرو وهيدجر بملكية شخص معين للحذاء، فإنه يرفض السلطوية التي يمارسها المفكران كلاهما في إعادة رسم الواقع وتحديد ما هي الحقيقة وما هو الوهم. إننا لا ندري فعلا إن كان فان جوخ اختار أن ينتصر للفقراء والمهمشين. أم إنه رسم مجرد حذاء على لوحة معلقة الآن في أروقة المتاحف.

في أحد رسائله لأخيه ثيو، التي كتبها بين سنتي 1883 و1885، نرى فان جوخ مُنقبضًا مِن الحضر، باسطًا يداه نحو الريف، فيقول: "حينما أقول إنّي رسّام الريفيّين، فإنّي كذلك في واقع الأمر. وسترى، على نحو أفضل، فيما بعد أنّي أشعر هاهنا بأنّي في بيئتي."

 

هل كان يستطيع هيدجر أن ينسب بثقة تلك الأحذية لفلاحة ريفيّة لو كان الرسام شخصًا آخر غير فان جوخ؟ ألا نجد أن إسقاط هيدجر قراءة سياسية على أحذية فنسنت ليس شططًا بل عن وعي بحُبّ فان جوخ للريفيِّن. أم أن تجاعيد وشروخ الحذاء هي روح فنسنت التي أصابتها الشيخوخة في الثلاثينات حتى قرر الانتحار.