• 25 آيار 2019
  • نبض إيلياء

 

نحن جيل نشعر بالغربة هذه الأيام ، فلم نعد نفهم ماذا يجرى؟ واصبحنا نبحث عن القيم والأخلاق التي تربينا عليه " هذا ما قاله الصديق المقدسي الأصيل والذي دخل عقدها السابع بعد ان حكم على نفسه الاعتزال في منزله ، فلقد اصبح وكما قال هو من الصعوبة بمكان  ان يتفاهم مع المحيط حوله ، حتى اللغة ومفرداتها تغيرات ..

 لم اعلق وتركته يكمل حديثه الذي يعتبر عن حالة  الكثيرين من سكان المدينة

 واكمل حديثه :

نحن جيل  لم نجلس على المقاهي ولم تعرف طعم الآرجيلة، فلقد كانت المقاهي للصنايعية وكبار السن، ولفئة أخرى لم نرغب بالتقرب منها !

نحن حيل كانت الفتاة تمشى بمنتهى الثقة والأمان  وتشعر بثقة لوجودنا بالشارع ، فلم يكن أحدا يستطيع ان يعلق او ينظر اليها ، وكان قليل ادب وغير متربي كل من يعاكس البنات او يعلق عليهن في الشارع .

 نحن جيل كنا نحافظ على نظافة الحافلات كحفاظنا على نظافة بيوتنا،  نترك كراسينا لكبار السن والسيدات والبنات ولا ننتظر كلمة شكرا ، فهذه اخلاقنا، وهكذا تربينا نحن جيل القراءة بشغف ، فكانت مجلات ميكي وسمير وتان تان ومجلة المعروفة والمغامرون الخمسة واجاثا كريستي وارسين لوبين هويتنا، كنا نسرع لاقتناء  تلك المجلات فور وصولها للقدس .

 كانت اكشاك الصحف منتشرة اكثر من انتشار بائعي الكعك ، ويقف الشباب امام الصحف المعروضة لقراءتها لفترات طويلة فالجميع يتابع السياسة والرياضة والفن حتى لو يستطع ان يشترى أي منها ! فهو يقرا ويثقف نفسه .

 نحن جيل كان يحب المدرسة ويحترم مدرسيه، فلقد كنا ننتقل الى الرصيف الاخر حتى لا تتقاطع عيوننا مباشرة بعيون مدرسينا، فنحن لا نجرأ علي ذلك احترام وتقديرا  لمن علمونا.

 نحن جيل سلاح التلميذ فيه كتبه واجتهاده ولم يكن عندنا لا دوسيهات ولا دروس خصوصي. التي كنا نعتبرها عيب كبير واهانة لقدراتنا الحقيقية .

 نحن جيل لم ينهار نفسيا من عصا المعلم، بل زادتنا احتراما، قمة سعادتنا كانت عندما يعطيك الأستاذ دفاتر ويقول لك خذها للصف المجاور،  وتدخل امام الطلاب ، وانت تشعر انك سيد العالم. نحن جيل كان يحترم الكبير ، احزان الجار  ولم نكن ظهر أي نوع من الفرح طيلة فترة الحداد ولم نكن نشاهد التلفزيون لمدة ثلاثة أيام  احترام لمشاعر الجيران ،

 نحترم اشارة المرور .... ونحترم راحة الناس وقت القيلولة عصرا فلا لعب ولا صراخ ولا أي ازعاج ...

نحن جيل لم نرقص على أغاني المهرجانات السخيفة المزعجة الفارغة ، كنا نسمع الأغاني الإنجليزية ونكتب كلماتها بايدينا ولم نعتمد على غوغل ، كنا نحفظها عي ظهر قلب  فلقد كانت افضل وسيلة لتحسين اللغات والنطق ، حبينا وبكينا على أغاني حليم وفيروز والاطرش، ورقصنا على نغمات البيتلز وديميس روسوس. نحن جيل كنا نضع غلاف الشكولاتة في جيوبنا  وتبق حتى نجد سلة النفايات لوضعها فيها

 نحن جيل كنا نرفع فتات الخبز  عن الأرض بعد تقبيلها ونضعها جانبا تقديرا لنعمة الله خوفا من زوالها ، هكذا تربينا بدون أي ترهيب ديني او وعظ وارشاد.

 نحن جيل كنا نرضي بالقليل وابسط الأشياء تفرحنا

 نحن جيل تربى على المحبة  والتسامح والصفح وقبول الاخر ومحبته دون النظر لديانته او شكله او مكانته ، كنا نعيد جميع الأعياد  المسلمين والمسيحيين

 نحن جيل كان الاب وقا والام حب وتدليل  وللعشرة قيمة وكما نخاف على سابع جار

 نحن جيل كنا نتقاسم المصروف مع الصديق  والاسرار واللقمة وكنا نحلف بالعيش والملح .

لقد عشنا فعلا  هذا الزمن الجميل ...

 نحن جيل انقرض يا بني

 توقف هذا الصديق الحكيم  عن كلام ، قبل ان ينظر الى ليقول : الان عرفت لماذا  فرضت عزلة على نفسي  في مدينتي التي اعشق عشقا ازليا ، فالغربة ترافقني من اللحظة التي اخرج بها من باب المنزل باتجاه المسجد الاقصى مرورا  بشارع الزهراء وصولا لشارع صلاح الدين دخول من باب الساهرة حتى  الباب العتم لينتهى بدي المطاف في زاوية من زوايا المسجد الأقصى ، طيلة هذه الطريق تشك بانه تعيش في القدس التي عرفت ، فالصديق اختفى والجار رحل والأخلاق تبخرت، والمحبة ودعتنا بدون رجعة ، تشعر انك  في غابة الجميع يقاتل الجميع على كسر الخبر جافة ،  يقاتل حقدا او غيرة او كراهية...

 هذه الحالة تزداد في شهر رمضان المبارك  فهذه الجولة يقوم بها الصديق عند صلاة عصر.

 قلت له صدقت بكل ما قلته ولكن ليس الامر ميؤوس منه ، فلا زال هناك بريق امل نستمده من  خبراتكم ... وحديثك معي هو جزء من هذا الامل

 سمع الكلام ولم يعلق ومضى بطريقه باتجاه باب الساهرة للمشاركة بصلاة العصر  الرمضانية  حتى بدون ان يتنظر ان يودعني

 

 وللحديث بقية

                     خليل العسلي