• 6 نيسان 2020
  • نبض إيلياء

 

 بقلم : خليل العسلي

 

  القدس في زمن الكورونا ذلك الفيروس لذي اقعد البشر ولوث الحجر ، لا تختلف عن أي زمان باستثناء بروز بعض الظواهر التي تقل في الأيام العادية  ولكنها لا تختفى  من سماء هذه المدينة المقدسة.

في القدس بزمن الكورونا هناك قواعد خاصة تناقلها الأبناء عن الإباء عن الاجداد قواعد مستمرة بغض النظر عن الزمن سواء كان في زمن الحرب او في زمن السلم ، في زمن الوباء او في زمان الرخاء ، اول هذه القواعد تقول ان  القانون ضدنا دائما، ولهذا يجب العمل بكل الوسائل على خرقه وعدم الالتزام به باي طريقة كانت،  ويكون ذلك اولا بالتشكيك به  مع التركيز على نظرية المؤامرة وان وراء هذا القرار او القانون او تلك الفتوى ما وراءها  من مؤامرة هي ضدنا بالتأكيد .

وهذه القاعدة لها خلفيات تاريخية باعتبار ان القدس عاشت وتعيش تحت الاحتلال منذ سنوات، وقانون المحتل لن يكون لصالح سكان، وبالتالي يجب مقاومة هذ القانون وخرقه حتى لو كانت هناك اية ثغرات يمكن الاستفادة منها لصالح السكان ولصالح تحسين الأحوال، هذه القاعدة  اراحت المحتل  واقعدته ساكنا سعيدا من هذا الرفض المطلق الاعمى، الذي يدفعه الى المضي قدما في غيه  وتعميق سيطرته بغياب اهل البلد ، بانتظار ان تمطر عليهم السماء جنودا من العرب والمسلمين لينقذوهم!! وهذا حلم اصبح باهتا كقطعة قماش بالية  مهترئة لم يعد لونها أبيض بل تحول للون بلا لون في الزمن الأصفر.

 هذه القاعدة ترافقها قاعدة هي نتيجة لها  وهي قاعدة الفهلوي ، فكل خارق للقانون ولكل معتدى على الضعيف ولكل ازعر غير منضبط اجتماعيا قانونيا خارق لكل قاعدة بنظر نفسه ونظر من حوله  فهلوي قوي لا مبالي  ،( رغم انه قد يكون غوغائي، وقد يكون في الظاهر شيء وفي الخفاء شيء اخر)  وهو لا يعرف انه يعرض نفسه وغيره للخطر بسبب تصرف اقل ما يقال عنه انه غير مسؤول.

  وفي زمن الكورونا  تم منع الصلاة في المساجد بسبب فيروس الفتاك، بل انه حتى تم اغلاق المسجد الأقصى  وفق فتوى واضحة حفاظا على حياة المسلمين من تفشى هذ الوباء،  نجد الفهلوي ومجموعته يجتمعوا في مسجد ويخرقون الفتوى والقانون ، فهم لا يعترفون لا بالقانون ولا بالفتوى ، فكل شيء ضدهم ، وهم لا يعرفون انهم يعرضون حياتهم وحياة عائلتهم وحياة الحي بل حياة المدينة للخطر بهذا التصرف الارعن  غير المسؤول من قبل اشخاص يجب ان يكونوا قدوه  للمجتمع  

 القاعدة  الأخرى  هي قاعدة  الزعامة  ففي القدس بغياب مرجعية واحدة وتشتت المرجعيات التي تدين كل واحدة منها لطرف بعين ولا أي حد منهم يدين للقدس  باعتبارها مرجعية للجميع،  ويستخدمها الجميع شعارا يمكن الاستفادة منه،  نجد انه في وقت الازمات يبرز بعض الافراد الذين تأخذهم العزة بالنفس ويتصرفون  كأنهم المرجعية التي يجب ان تطاع في هذا المقام ، بل نجد ان بائع الخضار اصبح خبير اوبئة والتاجر خبير اعلام وطالب الطب خبير صحة، التلميذ مدير مدرسة وبائع الكعك خبير بيولوجي ، بائع الصحف خبير علم الفيروسات، وبائع الاقمشة نجما مؤرخا ، واصبح كل من لا يملك يتصرف وكأنه يملك ما لا يملك .

وفي زمن الكورونا نرى انه أصبحت فجأة لنا اكثر من مرجعية في موضوع الصحة ومواجهة هذا الفيروس اللعين، والذي ارعب العباد وابعدهم عن العناد وادخلهم منازلهم مجبرين بانتظار الفرج المبين ، فنجد ان المستشفيات في القدس هي مرجعية رغم انها تعاني ما تعانيه وهذا المقام وليس للحديث عن ذلك ، هذه المستشفيات مرجعية غير جاهزة ونجد ان نقابة الأطباء اصبحت مرجعية لتقف الى جانب مرجعية مدنية لا علاقة لها بالطب ولا بالفيروس ولكن لها علاقة بأشياء أخرى ......

 ونسيت هذه المرجعيات جميعا سواء المدنية او الطبية ان المرجعية الوحيدة التي يجب ان تكون العنوان وان تتحمل المسؤولية الكاملة بلا منازع هي المرجعية الإسرائيلية بحكم الواقع،  تلك المرجعية تشعر بنوع من الراحة لان هناك من يزيل على كاهلها جزء من مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والواقعية الاجبارية في القدس .

ما علينا

 المهم انه في زمن الكورونا نجد عنتريات لا حاجة لنا بها، عنتريات شهدناها في ازمنة سابقة وفي أزمات عاشتها القدس ، اثبتت للجميع ان هذه العنتريات وان كنت عالية الصوت ، الا ان صوتها مبحوح ونورها سيختفى بسرعة ، وتصبح اثر بعد عين ،فكفانا عنتريات وظواهر صوتية تلوث الهواء وتختفى بعد ان تعمق الجرح في المدينة المقدسة التي تعاني من ابناءها اكثر مما تعانيه من الغريب الذي يظهر حبه لها ، بينما أبناؤها يتقاتلون من اجل سراب.

 وفي هذا المقام نقتبس ما قال صديقي الحكيم والأستاذ ذو البصيرة الثاقبة الذي يقطن خلف البحار " نحن نكره الخطأ وننتقده بشدة حبا في القدس ، ولكننا لا نكره المخطئ فهو في النهاية حاول وعليه ان يتقبل النقد كما يتقبل المديح"

 في زمن الكورونا وفي جميع الأزمنة  الصوت الوحيد المرتفع والباقي هو صوت القدس الذي لا يمثله الا المقدسي البسيط الذي يبحث عن قوت يومه المغموس بالعنصرية الإسرائيلية التي يواجهها كل يوم بصبر وتحمل، هذا المقدسي لا يبحث عن سبل  لخرق القانون،  ولا يبحث عن الفهلوه ،  ولا يبحث عن زعامة ، ولا يبحث عن عنتريات فارغة حمقاء ، هو يبحث ويعمل من اجل البقاء بالقدس بدون انتظار الجيوش العربية والإسلامية الهزيلة المهزومة ، ان تأتي للقدس محررة ، هو يكفيه السير في شوارع القدس ويتنفس هواء المدينة  النقي العليل الذي لا يمكن  ان يتنفسه الا الصادق في حب  المدينة ، يكفيه ينام في  المدينة بعد ان يكون قد استمع الى حكايات القدس من حجارتها الصادقة وليس من بشرها....

 وللحديث بقية