• 12 آذار 2022
  • نبض إيلياء

 في إحدى الصباحات المقدسية غير الهادئة والمرعبة , فالحياة في القدس لها مقاييسها الخاصة فالخارج مفقود والعائد مولود. في هذا الصباح ووسط الازدحام غير المبرر الذي تشهده ازقة وشوارع القدس الرئيسية والفرعية وبين الاحياء من ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات المساء ، في هذا الازدحام والتجاوزات غير الأخلاقية تظهر أخلاق أو لا أخلاق الناس لتثبت مرة أخرى ان المجتمع المقدسي بحاجة إلى إعادة تأهيل أخلاقي واجتماعي كامل بعد ان فقد البوصلة واختلاط المعايير على المقدسي وسكان القدس فتجاوز الآخر  ليست فهلوة وليست شطارة ، والازعر المعتدي على المقدسي ابن العائلة الصغيرة ليست رجولة بل خيانة للقدس واهلها ، والصراخ على السائقة او السائق كبير السن ليست عصبية بل وقاحة وعدم احترام . 

 في هذه الازمة الخانقة استمعت بالصدفة المحضة الى احدى الإذاعات المحلية الفلسطينية فانا في الآونة الاخيرة  أقاطع هذا النوع من الإعلام الذي لا نشهد فيه إلا تراجعا وسطحية و انبطاحا من اجل دعاية وحفنة من  ملوثة  من الدولارات ، ناهيك عن غياب كامل للإبداع والانضباط ، في هذه الإذاعة  كانت هناك سلسلة مما يسمى في اللغة الإذاعية سبوتات اي مقاطع صوتية قصيرة جدا بهدف التوعية ( واية نوعية موجهة بهدف التخريب ) وهذه المقاطع كما هو متوقع عن المرأة وعن الديمقراطية  وعن الشباب ومحاربة الفساد والنزاهة في الانتخابات، جميع هذه المقاطع ممولة من الدول والمؤسسات الأوروبية  الكثيرة والتي أخذت على عاتقها مشكورة اعادة تربية الشعب الفلسطيني وصقله ليكون انسانا حنونا ابيضا مثل حمامة السلام  وفق المعايير الأوروبية الأخلاقية الرفيعة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان فأوروبا جنة حقوق الإنسان واحترام الآخر ( وخاصة المسلم )  كما نرى ونشاهد، حيث تم استقبال اللاجئين السورين والافارقة والعرب بصدور رحبة وتم فرش الطريق لهم من لحظة وصول الحدود بالورد الاحمر ، ولا اقصب الدم الاحمر  لا سمح  الله .

 طبعا هذا التربية الاوروبية مدفوعة الثمن تكون عبر إعلامنا الذي  تأسس اعتمادا كليا على المال الأوروبي والأمريكي من أجل  تحسين العقلية الفلسطينية المتخلفة التي لا تحترم المرأة ولا تعمل وفق المعايير الديمقراطية  الأوروبية الأصيلة  الشفافة ، تلك العقلية الفلسطينية التي يجب ان تروض عبر اعلامنا بواسطة المال الاوروبي والامريكي  من أجل تقبل الاخر، اي إسرائيل التي لا تقبل حتى بأبنائها المختلفين ذوي البشرة غير البيضاء والثقافة غير الاوروبية  ، اوروبا الكريمة الإنسانية تعلم الفلسطينيين كيف نفكر بطريقة ممسوخة بحيث تصبح القيم والمبادئ مادة قابلة للنقاش. ويمكن التخلي عنها . اوروبا تتصرف وكأنها الاب الحنون الناصح الداعم للفلسطينيين. 

 هذه المقاطع الإذاعية الموجهة تثير الحنق والغضب على الإذاعة والقائمين عليها وليس على الأوروبيين المانحين الحنونين الذين يسعون لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي لا يعرف مصلحته!

 في هذه الاثناء خلص تقرير أعده مركز مسارات إلى أن الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية تضغط بشكل كبير من خلال التهديد بوقف المساعدات  المالية للسلطة من أجل تغيير المناهج البدائية المتوحشة الفلسطينية واستبدالها بمناهج ناعمة لا شرقية ولا غربية وقال عنها تقرير مركز مسارات "... الأمر الذي ينعكس سلبًا على العملية التعليمية، وتشكيل الهوية الفلسطينية" 

 المهم ان الحديث عن الاب الأوروبي الحنون، والرغبة الأوروبية المشكورة من أجل تهذيب الشعب الفلسطيني وإعادة تربية تتصاعد هذه الأيام مع عودة  الحديث عن استئناف الدعم الأوروبي للمشاريع في القدس وغيرها ، تلك المشاريع التي تمتاز بعدم الاستمرارية والاستقرار بل تعتمد على مزاجية الاتحاد ففي عام يكون التركيز على الديمقراطية وفي العام الذي يليه على المرأة وتحريرها من عبودية الرجل ، أما العام الثالث فعن دعم الثقافة ولكن ليس اية ثقافة بل الثقافة الهدامة التي تقضى على ملامح الهوية المقدسية. 

 هذه المشاريع الأوربية يقال عنها زورا وبهتانا بأنها لدعم الشعب  الفلسطيني ولكن للحقيقة يقال انها لدعم الشركات والمؤسسات الأوروبية اولا وقبل اي شي، فهذه الشركات والمؤسسات التي تدخل لنا من شباك الاتحاد الأوروبي على شكل استشارات أو منفذة للمشروع تستحوذ على الغالبية العظمى من الميزانية المخصصة، وكما يقول المثل  الشعبي " من دهنه قلي له ّ والفتات الباقي يوزع على بعض المؤسسات ذات العلاقة الشخصية مع الموظفين في الاتحاد ، المهم ان يتم اعداد التقارير بشكل مناسب يرضى التدقيق الأوروبي ، ولا احد يفحص مخرجات ونتائج تلك المشاريع التي لم تساهم حتى الان في تحرير المرأة من سجن الجهل ولم تحسن أداء الاعلام المحلي بل على العكس تماما،  ولم تزد المجتمع الفلسطيني انفتاحا بل زادته  جهلا واعتمادا على المال الأوروبي الخيّر الكريم . الله لا يحرمنا الرضى الاوربي والامريكي من أجل رفاهية الشعب الفلسطيني المسكين ….

و للحديث بقية ..

                        خليل العسلي