• 4 نيسان 2022
  • نبض إيلياء

 

 

 

في اندونيسيا يتم تعريف المواطن باسمه الاول فقط وليس بإسم عائلته  أو عشيرته أو قبيلته ، وذلك لان اندونيسيا اكبر دولة إسلامية فيها أكثر من مئة وخمسين فئة عرقية ، وديانات مختلفة يعيشون على اكثر من سبعة آلاف جزيرة ، هذا التصرف من قبل الدولة الاندونيسية يأتي من اجل تعزيز الانتماء الوطني ، وليس من اجل الانتماء العشائري أو القبلي والعائلي او الديني ، ولهذا فان كل اندونيسي هو مواطن فعال يعمل من أجل الدولة  ووحدتها .

 في نقاش هادىء لتشخيص معضلة القدس أثارت مجموعة  من المقدسيين الحريصين على مستقبل المدينة، المتنافسين على حبها،  مجموعة من التساؤلات عن هوية المدينة،  واقصد هوية القدس :هل هناك هوية تجمع  كل المواطنين فيها كما كان الحال في الماضي ؟  أو كباقي المدن التي لها هويتها وروحها الخاصة؟  فمدينة اسطنبول على سبيل المثال  والتي يكون فيها المرء مجهولا ، لا يعرفك احد في شوارعها،  حتى لو كنت ابن عائلة ذات ارث وتاريخ ساهم في تاريخها وعمارتها وثقافتها، وهذا الوضع يساهم  في الديمومة حيث يساهم كل فرد بطريقته من أجل رفعة المدينة بعد الانصهار في هويتها الجمعية ، يخدمها ويصبح جزء منها كأثر تراكمي ، وليس تغني في ماضي صورته وردية ولا تعدو كونها اسمية لا تعكس بالعادة طبيعة الواقع والمساهمة في إرث المدينة وحضارتها وحاضرها.  

 وهنا لا زلت اذكر سنوات السبعينات في القدس حيث كان الوعي الإدراكي قد بدأ يتشكل عندي ، فلقد كانت احدى الغرف في منزلنا تقطنه عائلة تركية  فضلت البقاء في القدس  والعيش والموت فيها ،  وفي المنزل الاخرى للعائلة كانت تقطنه عائلة قادمة من احدى قرى الخليل جنوبي الضفة الغربية  والمنزل الثالث كانت تقطنه عائلة قادمة قرى رام الله ، لا اذكر ان جدتي  صاحبة تلك المنازل كانت تصرف مع أي من هؤلاء الجيران حسب أصولهم ، بل تعاملت معهم جميعها كمقدسين ،هكذا علمتنا .  فلقد انصهر الجميع في هوية القدس وخدموا المدينة بطريقتهم وكانوا مخلصين .

 هكذا كانت المدينة عبارة عن  فسيفساء من قطع صغيرة من مجتمعات مختلفة  محلية وعربية واسلامية ومسيحية، فضلت السكن في القدس كل لأسبابه الخاصة ولكن في النهاية جميعهم شكلوا هوية المدينة .

 تلك الهوية التي تدهورت كليا بسبب الاحتلال اولا والجهل ثانية والعصبية القبلية والعشائرية التي لم تكن في يوم من الايام جزء من هوية مدينة القدس ، ولعل الاحتلال اكثر من ساهم بتدمير هوية المدينة وجعل سكان عبارة عن أقليات متناحرة  فلقد فهم الاحتلال منذ البداية بأن الإبقاء على هوية القدس كما كانت عبر عقود من الزمن لن يكون لصالحه ، ولهذا  قام بخطوات كبيرة من خلال تهميش قلب المدينة وتفضيل جماعات وفق التركيبة الجغرافية والعشائرية على حساب الهوية الجامعة للمدينة . فأصبح من يسكن في القرى التي  قامت اسرائيل بضمها للقدس بهدف السيطرة على أراضيها ، غريبا رغم أنه من القدس .

 وهكذا اختفت هوية القدس الشاملة لتحل محلها هويات مزقت المدينة ، فهذه القرية  يمكنها مواجهة تلك القرية ، وهذه العائلة تستطيع حشد المئات من أفرادها في اية معركة حامية الوطيس مع العائلات الأخرى لخلاف على موقف سيارة او متر ارض او عقار وباتت القدس منتهية .

 ما علينا 

 المهم ، في محاولة لفهم المعايير التي يجب أن تكون ، لتعود القدس الى هويتها الجامعة وان ينصهر بها جميع من سكانها ليشكلوا القدس  الشاملة الجميلة الواحدة الموحدة ، ويكون هناك تنوع  وانفتاح ، لأنه عندما يكون هناك تقوقع وانكماش عصبية قبلية يكون هناك تخلف وتراجع 

 هذه المجموعة المقدسية المخلصة لهوية المدينة ومستقبلها خلصت الى انه يجب ان تكون هناك ثلاثة معايير  وهي البناة والحماة والسدنة .! وعلى  كل من يرغب ان يكون جزء من الهوية المقدسية الشاملة أن يكون واحد  من هذه الفئات الثلاث ، إما أن يكون من بناة القدس او من حماتها او من سدنتها ، ويمكن  ان يكون ثلاثتهم  مجتمعة ، بغض النظر عن الخلفية العائلية والاصل والفصل . 

 فالقدس الان بحاجة الى صياغة هوية عصرية جديدة  كخطوة أولى للصمود والبقاء واستنهاض أبنائها الذين ينخرهم ثقل الماضي وغياب آفاق المستقبل.

 حان القدس أن تكون جزءا فعالا من المدينة لا أن تكون على هامشها 

 حان الوقت أن تكون عنصرا هاما في حياة المدينة وليس عبئا عليها. 

 وحتى ذلك الوقت فإن المدينة تعيش في غياهب الجهل والتخلف ، او كما اسماه البعض تبرير الفشل وتبرير أن تكون على الهامش وتبرير عدم خدمة المدينة. 

 وللحديث بقية

                 خليل العسلي