- 1 كانون الثاني 2025
- نبض إيلياء
بقلم : خليل احمد العسلي
كان عنوان المقالة السابقة التي أغضبت الكثيرين واحزنت البعض الآخر وتجاهلها البعض عن قصد " كان هناك مقهى في المصرارة" .
ولكن بعد هذه المقالة وحتى نهاية العام 2024 اختفى ليس فقط هذا المقهى الذي يروى حكاية المدينة، بل اختفت معه عشرات المنازل وأصبحت ركاما شاهدا على تحجر العالم ودليلا على الجريمة التي اقترفت بحق هذه المنازل والعائلات التي كانت هذه ملاجئهم من قسوة الحياة، هذه العائلات تشردت في المدينة بل في الحي نفسه يرفضون أن يغادروا، فهم يعشقون حيهم ومدينتهم .
هم كغيرهم من سكان القدس يريدون أن تتشح عيونهم كل صباح بقبة الصخرة المشرفة تلك القبة الذهبية البهية التي تزين فضاء المدينة ، طالما أنهم لا يستطيعون تلمس حجارتها والصلاة فيها بسبب الحصار المفروض على الاقصى منذ أكثر من عام حيث حرم الغريب على الشباب المقدسي الصلاة ولو ركعة واحدة في المسجد الأقصى بدون سبب !!!.
هذا العام كان قياسيا ليس فقط بعدد المنازل التي هدمتها بلدية القدس بل أيضا بعدد المعتقلين من الشبان والشابات والسيدات وكبار السن الذين اعتقلوا بوحشية وفي كثير من الاحيان لاسباب واهية ،
في هذا العام انتهكت حرمة المسجد الاقصى آلاف المرات منذ بداية العام الذي يودعنا ولا اسف على هذا الوداع، لدرجة انه لم نعد نعرف الاقصى من كثر الغياب عنه ومن كثرة ما يتعرض من انتهاكات واعتداءات فهو مهجور يا امة محمد كما قال ذلك الشيخ ابن السبعين عاما وهو يخرج باكيا من الاقصى ، يقول هذا ليس الاقصى الذي نعرفه وعشنا فيه …انه مهجور حزين اسير باكي..
ما علينا
المهم ، ان القدس في العام الذي رحل كانت مظلمة حزينة تنزف دما، يلفها السواد، أسواقها خالية ، أزقتها موحشة ، شوارعها قاتلة، احيائها مكتئبة، الناس فيها يلتفتون ذات اليمين وذات الشمال، عيونهم زائغة من الخوف القادم والموت المتربص، الحديث بينهم همسا إلا إذا كانوا في حرب ضروس فيما بينهم عندها تعلو الأصوات وتغرد الاسلحة من اجل قتل بعضهم بعضا… القدس هذا العام جدرانها لها آذان ، أنفاسها محسوبة ، ابتسامتها محبوسة، دمعها ملموس.
هكذا مر العام على سكان القدس ، فلقد كان بامتياز عام البطش الاسرائيلي، عام الترهيب قبل الترغيب، عام خلق واقع بالقوة ، عام الكراهية التي لا تخشى رأي عام عالمي ولا تختفي وراء اقنعة النفاق الأوروبي ، ولا وراء الكراهية الامريكية.
عام الخذلان العربي الذي باع دينه وأخلاقه إرضاء للاوروبي العنصري والامريكي المحتل، فلقد هان على العرب العربان أن يمتهنوا العهر بابخس الاثمان، حفاظا على وطن زائف خلقه المحتل الغربي ورسم حدوده وقال لهم هذا وطنكم، ، هذا المحتل يعمل الآن على مسح الحدود التي رسمها بنفسه لتكون حظيرة للقومية العربية،ووسيلة تقسيم وتشتيت..
عام الفشل بكل ما في الكلمة من معنى فتجد أن عشرات المؤسسات المقدسية والعربية والاسلامية تحمل اسم القدس بكل مفرداتها ،ولكنها لا تعمل من أجل القدس بل من اجل اشخاص بعينهم وجهات صديقة، مؤسسات تصدع رؤوسنا صباح مساء عبر صحفيين لا يعرفون الا التطبيل والتهليل وتقبيل النعال، بأنها العنوان لدعم القدس وأهلها ، وهم ابعد ما يكونوا عن القدس وأهلها ، والمصيبة أن من يروج لها ، حفنة من أبناء المدينة .
ورغم ذلك فإن هناك حقيقة واضحة وهي أن العام 2025 الذي بدا مشواره معنا، لن يكون اسهل لكنه سيكون عاما كله أمل بقرب التغير ، فدائما هناك نهاية لكل معاناة كما أن هناك نهاية لكل فرحة المعتدي بالنصر أو فرض الأمر الواقع.
فالقدس دائما كانت عبر التاريخ محور الصراعات في المنطقة منذ أيام الصليبيين مرور بالقائد صلاح الدين الأيوبي الذي فك أسر المدينة المقدسة وصولا إلى العثمانيين الذين حافظوا عليها وكانت لها مكانة خاصة ..
ولهذا فانه مهما تخاذل العرب والمسلمون الا ان القدس ستبقى في عمق معتقدهم الديني الإسلامي والمسيحي على حد سواء ومهما طال الليل فلا بد للصبح ان يأتي .
فهذه المدينة المقدسة تجمع ولا تفرق ، حتى انها تجمع الضعاف مسلوبي الإرادة في عصرنا الحالي.، الذين يحنون الى القدس كما كان يحن اليها امير الشعراء احمد شوقي والذي نظم قصيدة بنفس العنوان " الحنين إلى القدس
كنتُ أسريتُ إلى تلكَ الرُّبى في بِقاع طُهِّرَتْ مِن دنَس
فلَقدْ طال على القلب النَّوَى وهوَى الأشواقِ بيتُ المَقدِس
يا بلادَ النورِ.. يا مهْدَ النُّبوَّهْ أزِِفَ النصرُ فلا تستسلِمي
لم تزلْ في أُمّتي بعضُ فُتوَّة تَنسُجُ الأنوارُ رُغمَ الظُّلَمِ
ولنا -يا قُدْسُ- في الإيمانِ قوَة تجعلُ الأبطالَ مِثل القممِ
سيذوق المجرمُ الباغي عُتُوَّهْ فاصبِريْ -يا قدسَنا- لا تسأَمِي
ستُغنِّي القدسُ أنغامَ الإِبَاْ مِن ذُرَى مِئذَنةٍ في الغَلَس
تشحذُ العزمَ وتدعوْ للفِدا طالَ في الأَسرِ ثَرى الأندَلُس
وللحديث بقية ،
ان بقى في العمر بقية